لم أفاجأ بأن يدخل في الإسلام أكثر من خمسين دانماركياً خلال هذه الأيام القريبة الماضية التي تنبه فيها عامة الدانماركيين إلى أن محمداً نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم شخصية فذة فريدة يلتف حولها ويقدسها مليار ونصف المليار من المسلمين في العالم·
وعلى ذكر الضارة النافعة أعتقد أن الحاقدين على نبينا محمد عليه الصلاة والسلام يقدمون من حيث لا يدرون ولا يريدون فرصة لأهل الغرب عامة ليروا حجم تعلق المسلمين بنبيهم العظيم·
وقد سمعت بعض المسؤولين في دول إسكندنافية يقولون إنهم لم يكونوا يقدرون أن صوراً كاريكاتورية تنشرها صحيفة غربية يمكن أن تحدث ما حدث من ردة فعل قوية مستنكرة·
ولأنني من المؤمنين بنظرية المؤامرة الصهيونية على الأمتين العربية والإسلامية حتى وإن أنكر عليّ ذلك من يرون التاريخ مجرد مصادفات، فإنني أشك (والشك طريق ديكارتي لليقين) في أن نشر الرسوم لم يكن حدثاً صحفياً عادياً بين منشورات الصحيفة، بل هو حلقة من الحملة المنظمة والمبرمجة لمعاداة الإسلام، وهي ليست حملة جديدة ولكنها أخذت طابعاً رسمياً ودولياً مقلقاً منذ أن تولى اليمين المتطرف مقاليد الحكم في الولايات المتحدة، وواكب ذلك صعود المتطرفين وعلى رأسهم شارون إلى سدة السلطة في إسرائيل، وقد بدأ عهده باقتحام المسجد الأقصى مما أثار مشاعر المسلمين في العالم كله، وكانت انتفاضة الأقصى تعبيراً عن رفض ذاك العدوان·
ولقد كتب الكثير عن حملة معاداة الإسلام، ونوقشت بعمق آراء برنارد لويس في صراع الثقافات التي ورثها هنتينغتون في تنبئه المبرمج بصراع الحضارات، ونادى المسلمون بحوار الحضارات بديلاً عن الصراع وقد استجاب لهم كثير من المفكرين الغربيين المعتدلين وشخصيات ذات مكانة من رجال الدين المسيحي واليهودي وتحققت مناظرات مهمة في حوار الأديان أو التقارب بينها، لكن الاستجابة السياسية الرسمية للحوار كانت ضعيفة جداً، حيث ما يزال فريق من المتطرفين يحلمون بأن يفيقوا يوماً فلا يروا مسلماً على وجه الأرض· ويبدو أن هذا الحلم المستحيل يشبه الحلم الذي كان يراود رابين بأن يصحو يوماً فلا يرى غزة، ولكن رابين صحا من حلمه على واقع أن الفلسطينيين موجودون رغم أكذوبة مائير، وحين حاول أن يعترف بالواقع وكاد يصنع السلام قتله المتطرفون، وقتلوا بعده عرفات· وكانت المفارقة أن شارون ذاته هو الذي أمر بالانسحاب من غزة (وقد اعتبر المتطرفون مرضه وشلله غضباً من الرب عليه لأنه خالف إرادته وتنازل عن غزة) بل المفارقة الأهم أن شارون ''بطل'' إسرائيل التاريخي هو الذي أمر بأن يسجن الإسرائيليون خلف الجدار أو السور، متنازلاً على صعيد عملي عن حلم إسرائيل الكبرى، ومغلقاً الأبواب على ''غيتو'' إسرائيل الصغرى التي كان بيريز يحلم بأن يفتح أبوابها على شرق أوسط كبير·
وكما أن وهم إسرائيل الكبرى تبدد وصار من أساطير الحالمين، يتبدد يوماً بعد يوم حلم الواهمين بأن يفيقوا يوماً فلا يروا مئذنة يرتفع منها صوت مؤذن يكبر باسم الله، أو أن يسمعوا قرآناً يتلى، وهم قلقون لأن الإسلام يزداد حضوراً في أوروبا، وقد بدؤوا يحاصرونه بتهمة الإرهاب، ولكن فاجعتهم أن الإسلام يزداد انتشاراً رغم كل التشويه الذي يلحقه به أعداؤه· والمؤسف أن فريقاً كبيراً من أعداء الإسلام هم ممن يدعون بأنهم مسلمون، فمع أنني مازلت غير متأكد من أن عرباً أو مسلمين هم الذين ارتكبوا جريمة 11 سبتمبر (وسأبقى مُصراً على براءتهم حتى تظهر الأدلة القاطعة) إلا أنني أعتقد أن الفكر المتطرف الذي يروج له من يسمحون لأنفسهم باحتكار الدين أو بتكفير الناس وهدر دمائهم لأنهم يخالفونهم الفكر أو المعتقد هم أخطر على الإسلام من أعدائه الصريحين، ومع أنني كذلك غير متأكد من صحة اتهام عرب أو مسلمين بتفجيرات لندن أو مدريد أو سواها من التفجيرات لكن احتمال تورط مسلمين متطرفين بذلك وارد، وهذا يشوه الإسلام ويقدم الأدلة لمن يبحث عنها على أن الإسلام دين يقدس العنف، ويمهد لقبول بعض الأوروبيين بمثل هذه الإساءات لنبي الإسلام، كما أن الجرائم المريعة التي تحدث في العراق من خطف وقتل للأبرياء، أو تلك التي حدثت في فنادق عمان تسيء إلى الإسلام إن كان حقاً قد قام بها مسلمون، وأنا لا أستبعد ذلك، ولكنني لا أبرئ أعداء الإسلام من احتمال كونهم يرتكبون الجرائم ويرمون بها الإسلام بهدف تبرير الحملة ضده·
وقد كبرت الحملة ضد الإسلام مع فوز ''حماس'' في الانتخابات الفلسطينية ويأتي انتصارها رداً شعبياً صارخاً على حملة معاداة العروبة والإسلام، وتعبيراً واضحاً عن يأس الشعب الفلسطيني (بل العربي كله) من مسيرة السلام التي لم تصل إلى شيء، وتأكيداً على التمسك بحق المقاومة المشروعة للاحتلال·
وقد بدأت المراهنات على أن ''حماس'' ستفشل وتتنازل وأنها لن تستطيع التمسك بمبادئها، وأنا واثق بأن الإخوة في ''حماس'' يملكون رؤية واسعة للعالم، وقدرة على التلاؤم أنضج من كل الذين يظنون أنفسهم عباقرة سياسة ممن لا يملكون من القدرة والخبرة غير تقديم التنازلات المجاني