لا أدري ما هي الإثارة التي أغضبت البعض أو تذرع بها إثر دعوة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية ''إلى اتفاق بين دول المجلس وإيران والدول المطلة على الخليج واليمن لتكون المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية، وفي مرحلة لاحقة تتم دعوة الأطراف الأخرى في الشرق الأوسط للانضمام إلى ذلك الاتفاق بمن فيهم إسرائيل''!
إن الأطراف البعيدة عن سخونة مياه الخليج لا تدرك الخطر الداهم على هذه الدول جرّاء إطلالة مفاعل ''بوشهر'' الإيراني على مياه الخليج، وعلى مقربة من دول مجلس التعاون وعلى الخليج العربي الذي يشكل ثروة غذائية لسكان المنطقة· إن المنطق العقلاني، والتفكير السليم يدعواننا إلى أخذ المبادرة، قبل وقوع ''شرنوبل'' أخرى في مياه الخليج، فمن يدري لو تحركت الأرض قليلاً تحت المفاعل، وإيران تمثل خط سير الهلال الزلزالي المعروف! ثم إن تركيبات المفاعل روسية الصنع والإشراف، فمن يدرينا متى وكيف يمكن أن تتصدع أو تتلف تلك التركيبات وينفجر المفاعل، أو تحدث منه تسريبات، ثم ماذا لو قامت إسرائيل بضرب المفاعل، ولها تجارب مماثلة في المنطقة، خصوصاً بعد ''المراهقة'' السياسية للرئيس الإيراني (أحمدي نجاد) وإشهاره العداء علناً واستفزازاً بإزالة إسرائيل من خريطة العالم أو نقلها إلى ألمانيا والنمسا؟ وكذلك تشكيكه في قضية ''الهولوكوست''· ولسنا في حاجة إلى تعداد مظاهر تلك المراهقة السياسية للقيادة الإيرانية، بل نصل إلى حد انفلات ''عقال'' القيادة الإيرانية بعد تصريحات الرئيس الفرنسي جاك شيراك باستخدام السلاح النووي للرد على ''قادة الدول الذين يلجأون إلى وسائل إرهابية''، ونحن نعلم أن فرنسا تحاول تجنيب إيران غضباً دولياً، وظهر رئيس مجلس الشورى الإيراني غلام حداد عادل على الإذاعة مُديناً فرنسا بسبب تلك التصريحات، واستخدم عبارات لا تليق ضد دولة -يمكن اعتبارها صديقة لإيران- مثل قـــوله ''علــــى الفرنسيين أن يبذلوا جهود سنوات لمحو العار الذي تركه قتل مليون جزائري ومحو ذكرى مساعدة فرنسا للرئيس العراقي السابق صدام حسين والمجازر في أفريقيا وروانــدا''·
كما أن إيران تستخدم أسلوب ''التهديد''، وبرز ذلك عندما انتشرت أخبار بتحويل الملف الإيراني إلى الأمم المتحدة، وجاء ذلك على لسان أحد المسؤولين الإيرانيين (لاريجاني) الذي هدد بـ''إلغاء كافة التدابير بما فيها البروتوكول الإضافي، لمعاهدة الحد من الانتشار النووي''·
وعلى صعيد آخر تقف إسرائيل متحفزة لاقتناص أية فرصة لضرب المفاعلات الإيرانية، وبتحليل حديث وزير الدفاع الإسرائيلي يوم 22/1/،2006 فإن واقعة ضرب المفاعلات الإيرانية لن تكون بعيدة عن التفكير الإسرائيلي، يقول الوزير الاسرائيلي: ''يتعين علينا تطوير خيار دفاعي بكل ما يعنيه ذلك الخيار''، مضيفاً ''لا يمكننا في كل الأحوال التساهل حيال امتلاك إيران الخيار النووي، وسيكون علينا الاستعداد لذلك''·
الولايات المتحدة لا زالت تراقب المشهد بصمت، رغم رصدها للتحركات الإيرانية داخل العراق، ومحاولتها عرقلة الجهود الأميركية في ترتيب البيت العراقي الجريح مع الحكومة العراقية· ونعتقد أن الصمت الأميركي لن يطول! ذلك أن النفور الدولي من التحركات والنوايا الإيرانية بدأ يزداد، وهذا ما يشكل دعماً لأية إجراءات يمكن أن تتخذها الولايات المتحدة مستقبلاً، مع الأخذ في الاعتبار خصوصية العلاقة بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون والعراق الجديد·
من هنا تأتي دعوة الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، السيد عبدالرحمن العطية، بضرورة إيجاد تنسيق إقليمي مع دول المنطقة للحد من تطوير القدرات الإيرانية النووية، والتي لا تحتاجها إيران، نظراً لامتلاكها مخازن نفط وغاز ضخمة تكفيها عشرات السنوات· وتلك الدعوة المستندة إلى الوقائع على الأرض، تأتي لتجنيب المنطقة، بما فيها إيران، خطورة الانفلات النووي، والتجاذبات السلبية بين الدول في المنطقة -بما فيها إسرائيل- مما قد يؤدي إلى دمار شامل يذهب بكل ما بنته دول المنطقة من بنى تحتية، وما ادخره المواطنون في مشاريع للأجيال القادمة· إن شعوب المنطقة تعيش القلق النووي -لربما همساً- الذي يهدد العنصر البشري وليس المادي فقط، وإنّ جَهْرَ العطية بذلك الهمس يعتبر من أساسيات واجبات الأمين العام الذي هو في النهاية أحد أبناء المنطقة· إن العرب الذين تنادوا لأن يكون بيان قمة أبوظبي مداهناً ورقيقاً تجاه إيران لا يدركون مدى خطورة الأوضاع، ولا يقرؤون جغرافيا الخليج جيداً، بل ولا يحللون النوايا الإيرانية وما يجري على المسرح السياسي الإيراني، ولسنا بحاجة هنا إلى الاستشهاد بقوة ''الدفع الديني'' مثلما حصل إبان الحرب الإيرانية-العراقية، ومنح الخميني ''مفاتيح الجنة'' للشباب الإيراني وتحفيزه للذهاب إلى أرض المعركة، وهو مشهد يتكرر اليوم بثوب جديد، وهو تشكيل درع بشري من حوالى ألف رياضي إيراني طوقوا مفاعل ''أصفهان'' لتحويل اليورانيوم، مرددين بأنهم ''لن يتخلوا عن الم