خالـد مشعـل
من المعترف به على نطاق واسع أن الشعب الفلسطيني يعد واحدا من أكثر الشعوب تسيساً وتعليماً على مستوى العالم· ولذلك فإن أبناء هذا الشعب عندما ذهبوا إلى صناديق الانتخابات في الخامس والعشرين من يناير فإنهم كانوا جميعا يعرفون جيدا الفرصة المتاحة لهم، وكان هؤلاء الذين صوتوا لـ''حماس'' يعرفون ما تمثله تماما وقاموا باختيارها بسبب تعهدهـــا بعــــدم التخلـــــي أبــــدا عن الحقوق المشروعـــة للشعــــب الفلسطيني، ووعدها بإطــــلاق برنامج للإصلاح·
لقد ارتفعت أصوات محلية وخارجية تحذر أبناء الشعب الفلسطيني من مغبة إعطاء أصواتهم لمنظمة تصفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأنها منظمة ''إرهابية''، وتحذرهم أيضا من أن قيامهم بممارسة حقهم الديمقراطي في اختيار ''حماس'' سيؤدي إلى قطع المساعدات المالية التي تقدمها الدول الأجنبية المتبرعة·
وفي نفس اليوم الذي نجحت فيه ''حماس'' في الانتخابات الفلسطينية فشلت الديمقراطيات الكبرى في العالم في اختبار الديمقراطية· فبدلاً من الاعتراف بشرعية ''حماس'' باعتبارها الممثل المنتخب من خلال انتخابات حرة للشعب الفلسطيني، وبدلا من انتهاز الفرصة التي وفرتها نتيجة الانتخابات لدعم عملية تطوير الحكم الصالح في فلسطين، والبحث عن وسائل لإنهاء نزيف الدم، قامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتهديد الشعب الفلسطيني بالعقوبات الجماعية·
إننا نعاقب لمجرد أننا نقوم بمقاومة القهر، ونسعى من أجل تحقيق العدل· وهؤلاء الذين يهددون بفرض العقوبات على شعبنا، هم نفس القوى التي كانت سببا في معاناتنا، والتي تواصل دعمها لمحتلينا بدون قيد ولا شرط تقريبا· إننا نعاقب من قبل هذه القوى في نفس الوقت الذي تقوم فيه بتدليل ظالمينا· لقد كان بمقدور الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي استخدام نجاح ''حماس'' في فتح فصل جديد، وتحقيق فهم أفضل لحركة كانت تتم رؤيتها حتى الآن -وإلى حد كبير- من خلال عيون الصهاينة الذين يحتلون أرضنا·
إن رسالتنا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هي: إن المحاولات التي تبذلونها لجعلنا نتخلى عن مبادئنا أو نضالنا ستذهب سدى ولن تكون لها نتيجة· إن شعبنا الذي قدم آلاف الشهداء، وملايين اللاجئين من أبنائنا الذين انتظروا قرابة 60 عاما للعودة إلى ديارهم، وسجناءنا الذين يصل عددهم إلى 9000 سجين في السجون الإسرائيلية، لم يقدموا تلك التضحيات لكي يقبلوا في النهاية بحل يكاد يقترب من اللاشيء· لقد تم انتخاب ''حماس'' بسبب إيمانها الراسخ بحتمية النصر المؤزر لشعبنا، ولأن ''حماس'' عصية على الرشوة والتخويف والابتزاز·
وعلى الرغم من حرصنا على إقامة علاقات ودية مع مختلف الأمم في العالم إلا أننا لن نسعى إلى الصداقات على حساب حقوقنا· لقد رأينا كيف قامت شعوب أخرى مثل الشعب الفيتنامي وشعب جنوب أفريقيا بمواصلة النضال إلى أن تعزز سعيها للحرية والعدالة بالنجاح المؤزر· إننا لا نقل عن تلك الشعوب، كما أن قضيتنا ليست أقل قيمة، وتصميمنا ليس أقل، وصبرنا ليس أقصر، بأي حال·
أما رسالتنا إلى الدول العربية والإسلامية فهي: هناك مسؤولية ملقاة على عاتقكم، وهي مسؤوليتكم عن الوقوف إلى جانب إخوانكم وأخواتكم في فلسطين الذين ضحوا بالنيابة عنكم جميعا· إن الشعب الفلسطيني لن يكون بحاجة إلى انتظار أي دعم من الدول التي تضع شروطا مذلة لتقديم كل دولار أو ''يورو'' تدفعه لنا على الرغم من مسؤوليتها التاريخية والأخلاقية عن محنتنا· إننا نتوقع منكم أن تتقدموا، وتعوضوا الشعب الفلسطيني عن أية خسارة يتعرض لها بسبب قطع المساعدات، كما نطلب منكم رفع كافة أنواع القيود على منظمات المجتمع المدني الموجودة لديكم والراغبة في جمع التبرعات من أجل نصرة قضيتنا·
أما رسالتنا للفلسطينيين فهي: إن شعبنا لا يقتصر فقط على هؤلاء الذين يعيشون تحت الحصار في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكنه يضم الملايين الذين يعانون في معسكرات اللاجئين في لبنان والأردن وسوريا، والملايين المنتشرين في مختلف أنحاء العالم والذين لا يستطيعون العودة إلى الوطن· إننا نعد هؤلاء جميعا بأنه لن يردعنا شيء عن مواصلة السعي لتحقيق هدفنا في التحرير والعودة· إننا لن ندخر وسعا في التعاون مع جميع الفصائل والمؤسسات من أجل تنظيم بيتنا الفلسطيني من الداخل· وبعد أن فزنا بالانتخابات البرلمانية، فإن هدفنا متوسط الأمد، هو إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية من أجل إحيائها، باعتبارها الممثل الحقيقي للشعب الفلسطيني بأسره بدون استثناء أو تمييز·
أما رسالتنا للإسرائيليين فهي: إننا لا نحاربكم لأنكم تنتمون إلى دين معين أو ثقافة معينة· فاليهود عاشوا في العالم الإسلامي على امتداد 13 قرنا من الزمان في سلام وانسجام· وكتابنا الكريم يسميهم ''أهل الكتاب'' أي الذين لهم عهد وميثاق من الله ورسوله الكريم سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام بالاحترام والحماية·
إن صراعنا معكم ليس دينيا وإنما هو سياسي· فلا مشكلة لدينا مع اليهود الذين لم يقوموا بمهاجمتنا، وإنما مشك