في 2003 عرف ''مايك هوكابي''، حاكم ولاية أركانسو أنه مصاب بداء السكري· وعندما استشار طبيبه الخاص أبلغه بالحقيقة الصادمة وهي أنه على الأرجح سيموت في غضون العشر سنوات المقبلة· ذعر الحاكم لسماع تلك الأنباء السيئة فسارع إلى التمارين الرياضية وتجنب أكل السكريات واستطاع في ظرف وجيز التخفيف من وزنه واستعادة لياقته· وبينما كانت البداية صعبة حيث لم يكن يركض بضعة أمتار حتى يغشاه الدوار، أصبح اليوم قادراً على قطع مسافات طويلة دون عناء· ولم تكن قصة ''هوكابي'' لتستدعي كل هذا الاهتمام لو أنها بقيت عند هذا الحد دون أن يحول تجربته الشخصية إلى نقطة انطلاق فتحت له طريقاً مختلفاً لم يكن يتخيله في يوم من الأيام· فقد أصبح ''هوكابي'' خبيراً في مجال الرعاية الصحية، وبمساعدة مجموعة من الأخصائيين راح يطلق سلسلة من المبادرات الذكية الرامية إلى محاربة السمنة والتحسيس بأخطارها الماحقة على صحة المواطنين· ومع مرور الأيام أضحت مبادرة ''هوكابي'' الجريئة أهم خطوة في الولايات المتحدة حاليا، حيث تفوقت على كل ما تشهده الساحة السياسية في الوقت الحاضر من تجاذبات·
كانت تلك المبادرة كفيلة بتحويل ولاية أركانسو إلى مختبر وطني لتوظيف الوسائل السياسية من أجل دعم وتشجيع الأنماط الصحية للحياة· وما على الولايات الأخرى والحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة سوى اعتماد الخطوات نفسها التي خطتها الولاية مثل الحد من المشروبات الغازية في المدارس، وإبلاغ الوالدين بالمؤشر الصحي لوزن أطفالهم، والعمل على تشجيع اللياقة البدنية عن طريق ممارسة التمارين الرياضية، وتنظيم حملات للإقلاع عن التدخين، فضلاً عن إجراء فحوص وقائية على الثدي والبروستاتا بالمجان، والتشجيع على استهلاك كميات أكبر من الخضار والفواكه· وقد يبدو للقارئ أن موضوع المقال غير مهم، وأنه كان من الأجدر ربما أن أستغل هذه المساحة للحديث عن القضايا الكبرى مثل حرب العراق، أو السلام في الشرق الأوسط، أو حتى الفساد في الكونجرس· لكن تذكروا أن السمنة تقتل من الأميركيين أكثر مما يقتله الإرهاب· وفي هذا الصدد أعلنت دورية ''نيو إنجلاند'' الطبية خلال السنة الماضية أن معدل الحياة لدى الأميركيين سيتوقف عن الارتفاع، وربما يبدأ في الانخفاض بسبب نسبة السمنة المرتفعة بين الأميركيين·
لذا فإذا كانت الحكومة مهتمة فعلاً بحماية حياة أبنائنا، فعليها أن تبدأ بمطاردة ليس فقط الإرهابيين والتهديدات التي يطرحونها على أمننا، بل عليها أيضا أن تشرع في تعقب الأغذية الغنية بالسكريات والحد من أخطارها المحدقة على الصحة· وبالرغم من أنني أعارض على طول الخط الآراء السياسية لـ''هوكابي''، الرئيس الحالي لجمعية حكام الولايات و''الجمهوري'' المخضرم، فإنني أقدر اهتمامه الكبير بصحة المواطنين، ما يسهم في الحد من النفقات الإضافية المخصصة للرعاية الصحية، حيث لا يمكن استبعاد العامل الاقتصادي عند الحديث عن المشكلات الصحية التي تكلف الحكومة أموالا باهظة· وفي هذا السياق صرح ''هوكابي'' في أحد اللقاءات قائلا ''إنني لا أريد أن أنصب نفسي رقيباً على استهلاك السكريات والتحكم في أذواق الناس، ولا أريد أن أكون شرطياً يحارب الدهنيات والعادات الغذائية السيئة، ولكن عندما أنظر إلى الموازنة السنوية لولاية أركانسو وألاحظ أن النفقات المرصودة للرعاية الصحية ترتفع سنويا بحوالى 9 إلى 10%، وعندما أنظر إلى الخطط الصحية للموظفين فأرى الارتفاع المهول في مصاريف الإنفاق على الرعاية الصحية، فإن ذلك يجعلني أفكر في الحلول الكفيلة بإخراجنا من دوامة الإنفاق المتزايد على صحة الناس وتلقين المواطنين كيفية العناية بأنفسهم وتقليص احتمال إصابتهم بالأمراض المزمنة''·
وقد كان ''هوكابي'' واضحاً في نظرته للأمور مشدداً على الخطر الذي باتت تطرحه آفة السمنة ليس فقط على صحة المواطنين وتأثيرها السلبي على جودة الحياة، بل أيضا إرهاقها لكاهل الحكومة من جهة، والمس بالقدرات التنافسية لقطاع الأعمال من جهة أخرى· وعلى سبيل المثال أنفقت شركة ''جنرال موتورز'' الرائدة في صناعة السيارات على الرعاية الصحية لموظفيها خلال هذه السنة، أكثر مما أنفقته على الفولاذ· وكما قال ''هوكابي'' فإن ''ستاربوكس ستنفق على الرعاية الصحية أكثر مما ستنفقه على حبوب البن''· وبالطبع فإن الزيادة في النفقات الصحية تقلل من ربحية الشركات وتحد من قدراتها التنافسية أمام البلدان الأخرى التي لا تضطر شركاتها إلى تخصيص جزء كبير من موازنتها لعلاج موظفيها· ووفقا لآخر تقديرات مركز مراقبة الأوبئة والوقاية تعد السمنة المسؤولة الأولى عن وفاة حوالى 112 ألف شخص في الولايات المتحدة، كما أنها تؤدي إلى إنفاق ما لا يقل عن 75 مليار دولار على التكاليف الصحية· وبدلا من ذلك يقترح ''هوكابي'' على الأميركيين إنفاق مبالغ مالية بسيطة على حصص ممارسة التمارين الرياضية، أو على أخصائيي الحمية الغذائية لتلافي مصاريف العلاج باهظة الثمن في حال الإصابة بأمراض القلب أو داء السكري في مرحلة لاحقة