التعاون الدولي بين بلدان العالم وبكافة أشكاله يتطور وينمو بالتزامن مع التغيرات الهيكلية في بنية العلاقات الدولية، بما فيها التطورات في العلاقات الاقتصادية الدولية· في إطار هذا الفهم قامت دول مجلس التعاون الخليجي قبل خمس سنوات تقريبا بإدخال تغييرات أساسية على بنود الاتفاقية الاقتصادية الموحدة والتي أقرت في عام 1983 لجعلها تتلاءم والمستجدات على الساحة الدولية، إلا أن سرعة التطورات العالمية، وبالأخص في المجال الاقتصادي في السنوات القليلة الماضية فرضت أنماطا أكثر تعقيدا وتنافسية في نطاق منظمة التجارة العالمية وفي مجال التقنيات الحديثة·
من هذا المنطلق، فإن بعض القرارات التي اتخذت على المستوى الخليجي في السنوات القليلة الماضية وبعض البنود التي تضمنتها التعديلات التي أدخلت على الاتفاقية الاقتصادية الموحدة أصبحت غير ملائمة لهذه المستجدات··· كيف؟
لنأخذ على سبيل المثال القرار المتخذ في قمة الكويت قبل خمس سنوات والذي لم يطبق حتى الآن والخاص بالسماح بفتح فروع للبنوك الخليجية في كافة دول المجلس، هذا القرار لا يتناسب واقتصاديات العولمة التي تشتد فيها المنافسة، إذ أن فتح فرع لمصرف سعودي في الكويت أو قطر لن يضيف الكثير للنظام المصرفي في هذين البلدين، بقدر ما سيشكل ضغوطا إضافية على أكثر من مستوى، في الوقت الذي لن يتمتع فيه هذا الفرع بقدرة تنافسية في الأسواق المشار إليها·
إذن ما هو البديل لتطوير التعاون والتكامل الاقتصادي في عصر العولمة، وبما يؤدي إلى تقوية المؤسسات الاقتصادية الخليجية وزيادة قدراتها التنافسية في الأسواق المحلية والخارجية؟
المطلوب هو دعم المؤسسات القائمة في دول مجلس التعاون وتكاملها مع بعضها بعضاً، خصوصا وأن تطبيق التعريفة الخليجية الموحدة منذ عام 2003 والعمل على إصدار العملة الخليجية الموحدة مهد الأرضية اللازمة لمثل هذا التوجه·
لقد أدت هذه وغيرها من الإجراءات والقرارات إلى ترابط المصالح الاقتصادية الخليجية وزيادة التعاون ليس على المستوى الرسمي فحسب، وإنما على مستوى القطاع الخاص أيضا، وبالأخص بعد فتح أسواق المال الخليجية ''البورصات'' أمام الخليجيين في الدول الست دون استثناء·
لذلك، فإنه وبدلا من فتح فروع للبنوك الوطنية وزيادة حدة المنافسة بين هذه البنوك في أسواق صغيرة نسبيا، مع ما يرافقه من ارتفاع تكاليف التشغيل وتقليل القدرات التنافسية لهذه الفروع، فإنه يمكن العمل باتجاه تكامل أنشطة المؤسسات الاقتصادية، بما في ذلك البنوك والمؤسسات المالية الأخرى·
في هذا الاتجاه يمكن لإدارات البنوك الخليجية طرح موضوع الاندماج فيما بينها من جهة والبحث في إمكانية المشاركة في رؤوس أموال هذه البنوك أو شراء جزء من أسهمها المدرجة في سوق الأوراق المالية الخليجية من جهة أخرى، مما ستتمخض عنه نتائج إيجابية عديدة نذكر بعضا منها: قيام مؤسسات مالية خليجية كبيرة قادرة على المنافسة في الأسواق في ظل العولمة وانفتاح الأسواق في العالم، مع تداخل المصالح الخليجية وتقليل تكاليف التشغيل وتسهيل المعاملات المصرفية والتجارية·
وسيعمل ذلك على إيجاد مؤسسات إقليمية ضمن سوق خليجية واحدة، مما سيشكل نقلة نوعية لمجمل التعاون الاقتصادي الخليجي وسينقل ثقل المنافسة الرئيسي بين هذه المؤسسات والخارج بدلا من المنافسة فيما بينها·
بالتأكيد مثل هذا التوجه بحاجة لإجراءات جريئة وفهم شامل لطبيعة التغيرات العالمية، كما أن المردودات الإيجابية له ستشمل كافة دول المجلس، وبالأخص أنشطة القطاع الخاص وتنشيط سوق الأوراق المالية في دول المجلس ومواجهة الآثار السلبية المترتبة على اشتداد حدة المنافسة العالمية·