تتحدث إدارة بوش الصغير مراراً عن تغيير ما تطلق عليه الشرق الأوسط ''الكبير'' و''الصغير'' و''الجديد'' و''الشامل''··· إلى آخر تلك القائمة من المسميات المختلفة التي تخفي وراءها خطة استراتيجية أميركية تهدف إلى إعادة تخطيط المنطقة وتوزيع الأدوار فيها وفق أجندة ورؤية من يطلق عليهم ''المحافظون الجدد''، ورغم أن الـ''محافظين'' موجودون دائماً داخل السياسة الأميركية؛ لذلك فهم ليسوا جدداً ولا معاصرين، لأن الموضوع في الأصل عبارة عن تخطيط ''صهيوني'' معجون بأهداف ''المسيحية الصهيونية'' لتحقيق المصالح الاستراتيجية الخاصة بالكيان الإسرائيلي، لذلك أصبح جديد الشرق الأوسط ''الكبير'' هو نصب ''سيرك'' يتشارك فيه الجميع جنباً إلى جنب كل حسب مواهبه وقدراته وإمكانياته ومكانته ودوره في الخطة الصهيونية الكبرى، بحيث اختلط اللاعبون بالمشاهدين بالمخططين، وأصبح من الصعب التفرقة بينهم، كما تورطت دول أخرى من خارج المنطقة ليكون لها نصيب في هذا ''السيرك''، وبات الكل يلعب على الكل على حساب الكل، بعد أن اختفت الحدود والفواصل الواضحة بين كل دور وآخر··· والجميع يريد أن يكون له مكان أو على الأقل يظل في موقعه عندما ينسدل الستار على العرض ليعلن كلمة النهاية··· فيبدأ الحساب·
ومن المعروف أن الألعاب تتنوع في السيرك؛ ويتحمل مسؤولية تنفيذها مجموعة متنوعة من اللاعبين، لكل دوره المرسوم له بدقة والذي تدرب عليه مراراً وتكراراً ليتقنه حتى يحافظ على استمراره داخل السيرك، وفي الوقت نفسه يعمل بجد ليمنع غيره من الاستيلاء على مكانه ويأخذ دوره، ولكن ظروف الإصابات أو كبر السن أو الوفاة تفرض أحياناً الحاجة إلى استبدال لاعب بآخر أو لعبة بأخرى، ولكي يستمر السيرك يجب تطوير ألعابه باستمرار بل وإضافة ألعاب جديدة ولاعبين جدد·
ويضم السيرك خليطاً متنوعاً وغريباً من الشخصيات··· ما بين لاعبي أكروبات وألعاب الهواء التي يطلق عليها ''الترابيز''، ومشي على السلك، ومروضي الوحوش الكاسرة والثعابين العاصرة مع وحوشهم المروضة جيداً والتي تستجيب لأوامرهم، بالإضافة إلى مهرجين وبهلوانات، وعروض السحر والشعوذة، والقفز في المياه والحلقات المشتعلة، وفرق العزف والرقص، والمتفرجين، والإداريين، وأصحاب رأس المال المستفيدين من عوائد نصب السيرك··· هذا حال السيرك في الحياة العامة، فما هو وضعه على مستوى الشرق الأوسط؟
تنقسم الأدوار في منطقة الشرق الأوسط بحيث يوجد عمل محدد لكل دولة داخل ''خيمة السيرك'' الشرق أوسطي، حيث نجد الآتي:
إن عروض الأكروبات وألعاب الهواء يقوم بها المسؤولون في الدول العربية وبعض حكوماتها للحفاظ على كراسيهم، لذلك نجدهم يملكون مهارات اللعب بأشكاله كلها ويتقنون فنون الأكروبات حسب ما تفرضه الظروف، ووفق ما يريده صاحب العرض سواء الأميركي أو الأوروبي أو حتى الصهيوني، ولا يقف أمامهم كبر السن أو ضعف الأداء أو فقر الموهبة أو تراجع نسبة المشاهدة، وسواء كان ذلك على حساب لاعبين أكثر مهارة وقدرة وأصغر سناً، أو على حساب متعة المتفرجين، لأن الهدف واضح··· هو كسب رضا أصحاب السيرك ومحاولة توريث اللعبة للأبناء والأحفاد·
أما المشي على السلك فهو عرض متنوع يقوم به المطالبون بنشر الديمقراطية والحرية والاعتراف بحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة، بعد أن صدقوا أن أصحاب العرض يؤمنون بهذه المبادئ والقيم، وكذلك حال شعوب بعض الدول التي تصدق بأن رؤساءها جادون في ترك الحكم بعد أن استمتعوا به لمدد تزيد على ربع قرن من الزمن، لأن هذه الشعوب سرعان ما تسقط من أعلى السلك إلى هوة الحقيقة الدامغة وهي أن هؤلاء الرؤساء يطمحون في الواقع إلى الاستمرار في السلطة والتمتع بها لمدد تزيد على القرن أو حتى الممات·
والوحوش الكاسرة هي تنظيمات الإرهاب وزبانية التطرف ومجرمو بث الفتنة الطائفية في الدول العربية ولوردات الحرب الأهلية في العراق والمحافظون الجدد والصهيونيون، والدول التي تسعى إلى امتلاك أسلحة الدمار الشامل دون حاجة استراتيجية سوى إثارة النزعات العرقية والهيمنة الإقليمية، والقوات الإسرائيلية التي تبيد الفلسطينيين، والقوات الأميركية التي تقوم بعمليات اعتقال وتعذيب الأبرياء، بينما مروضوها الفاشلون من متطرفين ومصاصي دماء يفتقدون شرف الهدف وأمانة المواجهة، ولا يبغون من العرض سوى سفك مزيد من الدماء لإسعاد أصحاب السيرك·
أما ما دور المهرجين والبهلوانات فيقوم به من صدقوا ''ماما أميركا'' من أمثال الجلبي وشركاؤه في العراق، وعبدالحليم خدام وزمرته في سوريا وجنبلاط وأصحابه في لبنان الذين يمارسون ''المراهقة السياسية'' ويتنصلون من ماضيهم المعروف للجميع، ويحاولون اليوم الظهور بصورة أصحاب التاريخ النضالي بعد أن لطخوا وجوههم بقيم الحرية الزائفة، ولونوا أنوفهم بلون الكفاح الفاشل، وصبغوا جلودهم بالليبرالية غير الحقيقية، بعد أن شعروا بدنو نهايتهم نتيجة لعدم رضا مدير السيرك عن اللاعبين الموجودين في الحكم وسعيه لتغييرهم، فانتقلوا من صفوف المناصرين