يبحث كتاب ''الحرب الأميركية على الإرهاب وأثرها على العلاقات الأميركية- العربية''، لمؤلفه جيمس نوزير، في خلفية هجمات 11 سبتمبر التي أطلقت ما سيسمى الحرب العالمية الثالثة، كما يقدم مقاربة حول عوامل وجذور الجو العام المناهض لأميركا في العالم العربي، ويتعرض لطبيعة الرد الأميركي ونوع التغيرات الجارية في دوائر السياسة في واشنطن، ولتناقضات السياسة الأميركية، وأخيرا يستخلص بعض الملاحظات الختامية المهمة·
فعن خلفية الرد الأميركي على هجمات الحادي عشر من سبتمبر يشير المؤلف إلى أن محللي وزارة الدفاع الأميركية ركزوا منذ سنوات عديدة على جوانب الضعف التي خلفها انتهاء الحرب الباردة وما أعقبها من انتشار لأسلحة الدمار الشامل ذات التقنية العالية، خاصة بعد أن ارتبط علماء من الاتحاد السوفييتي السابق بدول ''غير صديقة''· علاوة على ذلك أدار الرئيس الأميركي جورج بوش حملته الانتخابية حول وعد بكبح ما أسماه ''أفول قواتنا المسلحة'' خلال سنوات إدارة بيل كلينتون، كما كان وزير دفاعه دونالد رامسفيلد قد دفع منذ وقت طويل باتجاه برامج الدفاع الصاروخي· كذلك جلبت إدارة بوش معها تغييرات أشمل في التفكير الاستراتيجي والدبلوماسي، شملت تأكيدا أقل على المفاوضات الدولية المطولة، وربما أبرزها النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي· ومن هنا يرى المؤلف أن تحول السياسة الأميركية نحو العالم العربي، كما بدت بعد الحادي عشر من سبتمبر، لم يكن مباغتا وإنما نشأ جزئيا من التقييم الكلي للسياسة الاستراتيجية·
وقبل هجمات سبتمبر كانت شاشات التلفزيون تعرض يوميا ما يقاسيه الفلسطينيون من رعب وأهوال، وكانت الدبابات والمروحيات الأميركية بارزة في هذه الأحداث، ومنحت المشاهد الإضافية لعراق خنقته العقوبات وحوادث القصف الجوي من طرف أميركا وبريطانيا، مصداقية للنظريات القائلة إن هناك حملة أميركية لحصار العالم العربي وتحطيمه· وحيث إن الغضب الناجم عن ذلك في الشوارع لم يتحول نحو الولايات المتحدة فحسب، بل تحول جزئيا تجاه الزعماء العرب المرتبطين بأميركا، فقد كان من الأفضل تصدير المخاطر السياسية إلى الخارج وذلك بالانضمام إلى غضب الشارع بدلا من مواجهته، وهنا جانب من أزمة سياسية كانت وشيكة في العالم العربي· أما بعد الهجمات، فلم يبد رد الفعل الأميركي مفرطا فحسب، بل مستهدفا للثقافة الإسلامية بشكل غير عادل، وصار أمرا محتوما شن ''الحرب'' على الإرهاب بعيدا عن الأراضي الأميركية، وأن يكون العرب من الأهداف الرئيسية لهذه الحرب· كما جاء تعريف ''الحرب على الإرهاب'' ليضفي تعقيدا على الدور الأميركي في نزاع الشرق الأوسط·
وفي محور تحت عنوان ''الولايات المتحدة تمضي إلى الحرب''، يربط المؤلف بين الحملة الأميركية ضد الإرهاب وبين غزو العراق؛ فقد أدت النجاحات العسكرية الأولية في حرب أفغانستان إلى دفع واشنطن نحو حتمية غزو العراق، إذ أظهرت كيف أن التقنية العسكرية الأميركية الجديدة يمكنها هزيمة النظام المعادي بصورة سريعة، مما عزز الأصوات التي تميل داخل الإدارة الأميركية إلى استخدام الحسم العسكري المجرد· ورغم أنه لا دليل على وجود علاقة مباشرة بين نظام صدام حسين وجماعة ''القاعدة''، فإن المؤلف يرى أن قرار غزو العراق لم يكن ليتخذ لو لم تقع هجمات الحادي عشر من سبتمبر ويتساءل: لماذا العراق وليس كوريا الشمالية أو ليبيا أو إيران؟ ليرد بالقول إن الأساس في ذلك هو وجود عراق متنفذ ولديه قدرة شرائية تتيح له الوصول إلى قنوات التسلح العالمية، وهي ''الحقيقة'' التي هيمنت على التقييم الأميركي، أي أن العراق دولة كرست نفسها لتدمير إسرائيل، وما فتئت تتمسك بأطماعها القومية العربية في السيطرة على نفط الخليج!
وعن التغييرات التي أثارتها هجمات نيويورك وواشنطن، يقول المؤلف إن الحرب على الإرهاب أحدثت هزة في العالم العربي إذ دفعته إلى النظر بصورة أوسع في داخله وأعماقه بشكل انتقادي، كما كانت سببا رئيسيا للتحول في السياسة الأميركية تجاه المنطقة·
وفيما يخص التعقيدات التي جلبتها الحرب على الإرهاب، يشير الكتاب إلى أنه رغم أقدمية الوجود الأميركي في العالم العربي، فإن حجمه الحالي قد يثبت عدم فاعليته في تشجيع بروز نمط القيادات الجديدة الذي تتصوره أميركا في المنطقة، كما يعتقد أن الأنظمة التي تعتمد على الحماية الأميركية لن تكون لها شرعية، وأن ذلك الوجود سيؤدي إلى تقوية الجماعات الداعمة للإرهاب·
كما جلب غزو العراق تعقيدات جديدة؛ فتغيير نظام صدام حسين أجج العلاقة بين الشيعة والسنة، وهي علاقة تتسم بالتعقيد والحساسية في أنحاء العالم العربي، ومن منطلق احتمال سيطرة الشيعة في العراق، سوف يكون لذلك انعكاساته على باقي الشيعة في منطقة الخليج ولبنان· ولعل أحد الانعكاسات الإقليمية غير المقصودة، هو موقف تركيا من الحكم الفيدرالي في كردستان العراق· وهنا يتضح أن الولايات المتحدة تقتحم عمقا جديدا لتشجيع التغيير ولفرضه أحيانا بالقوة·
ويعتقد المؤلف أنه لإزالة ما ران على العلا