''إننا نحترم هذا الدين (الإسلام) وإن السيد رئيس وزراء الدانمارك أعرب عن استنكاره الواضح تماماً لأي تصريح أو عمل أو تعبير عن الرأي بقصد التشويه لصورة مجموعة من الناس بناءً على انتمائهم الديني أو العرقي، حيث إن مثل هذا العمل لا مكان له في مجتمع يقوم على احترام الفرد، وإن السيد وزير خارجية الدانمارك أرسل خطابات لأمين عام الجامعة العربية ولسكرتير عام منظمة المؤتمر الإسلامي، أكد فيها على احترام الدانمارك للأديان· وقد أشار رئيس الوزراء في خطابه إلى أهمية الأخذ في الاعتبار أن حرية التعبير لا تؤدي إلى تشويه أو ازدراء الأديان فيما بيننا، وترغب حكومة الدانمارك في أن يعيش الشعب الدانماركي باختلاف أديانه في وئام تام وفي سلام···''·
ذلك هو نص بيان الاعتذار الذي قدمه بيارن سورنسن سفير الدانمارك في القاهرة باسم رئيس حكومة الدانمارك، عن الصور الكاريكاتيرية المسيئة لرسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، والتي نشرتها صحيفة ''بيولاندز يوستن'' الدانماركية، والهجوم الحاد الذي صاحب هذه الصور، بعد زيارته للأزهر وشيخه الدكتور محمد سيد طنطاوي، حيث أكد السفير على احترام الدانمارك حكومة وشعباً للإسلام باعتباره أكبر الأديان في العالم· السؤال المهم هنا: ماذا بعد الاعتذار؟ أقصد: ما هي الخطوات والضوابط التي سوف تتخذها حكومة الدانمارك للحد مستقبلا من تكرار مثل هذا الهجوم السافر؟ وهل ستكون الحكومات قادرة على وقف مسلسل التعرض للقرآن ورسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، وللإسلام الذي أصبح مادة أساسية في ثقافة الغرب ومناهجه الدراسية في الوقت الحالي؟ ماذا بخصوص باقي الدول الأوروبية التي يتعرض فيها الإسلام ورسوله الكريم لهجوم حاد؟ ماذا بخصوص صورة الإسلام في الإعلام الغربي ومناهج الغرب الدراسية والفكرية عامة؟
أسئلة لابد من طرحها بعد أن تزايد هذا العداء وأصبح ينتشر بسرعة في الغرب· ولعلنا في الحقيقة أمام إشكالية عنصرية لا ترى غير نفسها، إشكالية لها جذور عميقة في العقل الغربي وثقافته، فقد سبق أن تعرض الرسول والقرآن الكريم والإسلام للإساءة في الكثير من كتابات الغرب في أميركا، وتم تدنيس المصحف الشريف والإساءة للرسول الكريم، على ألسنة عدد من الرسميين في أميركا وأوروبا، وتعرض الإسلام لهجوم حاد من كتاب عديدين هناك· ولا زال الهجوم ضد الإسلام مادة دسمة في ثقافة الغرب وصحافته وإعلامه ومناهجه الدراسية، وعلى أيدي بعض المستشرقين· ومن يلاحظ حركة الهجوم على الإسلام في الغرب سيرى أنها تتحرك وفق استراتيجية مدروسة وواضحة، تتحرك وفق ما يخدم الخطاب الغربي وسياسته تجاه الإسلام، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر· وتسارع الهجوم على الإسلام في السنوات الأخيرة، يكشف هذه الاستراتيجية الاستباقية التي تريد أن تستغل حالة الضعف والعجز الذي يعاني منه العرب والمسلمون في المرحلة التاريخية الراهنة، بغرض الإجهاز على ما تبقى للجسد المسلم من قوة·
إن ضعف الرد على مثل هذا الهجوم من جانبنا كمسلمين، ربما شجع تلك الحالة العدائية في ثقافة الغرب، ودفعها إلى التمادي والتوسع في هجومها على الإسلام والقرآن والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، دون أي اعتبار لنا كمسلمين· وما حدث في الدانمارك والنرويج يكشف جانبا من الصورة الحقيقية، حيث إن ردود الأفعال في العالم العربي والإسلامي لم تكن بمستوى الهجوم وخطورته· والأغرب من ذلك أنه في الوقت الذي تهاجم فيه صحافة الدانمارك والنرويج الرسول صلى الله عليه وسلم، تنشغل قنواتنا الفضائية وصحافتنا بأخبار أهل الفن وكرة القدم وقضايا أخرى، ويصبح خبر الإساءة إلى الرسول مجرد سطور صغيرة في آخر الصفحة· والأغرب من ذلك أن يخرج علينا أحد الكتاب ليدافع عن بناء ونشر الكنائس في جزيرة العرب، ويهاجم آخر حركات إسلامية في مصر، ويدافع ثالث بقوة عن ديمقراطية أميركا المميتة في العراق وأفغانستان· ويبدو واضحاً أن الهجوم على الإسلام والمساس برسوله، لم تمس قلوب وضمائر ومشاعر البعض، وهذا أمر جعل الطرف الغربي ينظر إلينا منتزعا كل اعتبار!
m_albaheli@gawab.com