يندر أن توضع بيضتان في سلة واحدة في عالم السياسة، وعلى هذا الأساس فإن ما تمر به سوريا وإيران هذه الأيام من مطبات واضحة، وكل واحدة منهما أكبر من الثانية، بحاجة إلى حنكة سياسية عالية ودراية تامة بتقلبات السياسة العالمية في ثوابتها المتغيرة وفقا للمصلحة التي تجمع خيوطها·
ما يهمنا هنا هو صوت الإعلام العالي بالتسويق لمجموعة من المبادئ السياسية التي أكل عليها الدهر وشرب وانتثر عقدها بعيدا عن المؤمنين بها في زمن السياسة الغابر، فالدول التي تريد أن تطيل أمدها السياسي المفروض على شعوبها دون العبور على جسر التواصل بين الداخل والخارج، تضع نفسها في مواقف حرجة للغاية حتى لو استخدمت مصطلحات فضفاضة كصوت الأمن القومي فوق كل الأصوات أو التسويق للشيطان الأكبر من جديد لدغدغة المشاعر على حساب مصالح الشعوب التي تدفع الثمن غاليا ومن بعدها الحكومات· فالكوارث في تجارب العراق، والصومال، والسودان، ولبنان، والجزائر وأفغانستان وبلدان أخرى شاهد حي على أن تجاهل نداءات حق الشعوب في أي دولة لتقرير مصيرها الإنساني لن يؤدي إلا إلى مزيد من التأزم في التعاطي بين القمم العاجية التي تحكم والقاعدة التي يراد لها الانهيار إذا ما تزايدت على الداخل ضغوط الخارج·
ينبغي التنبه إلى أن بيضة سوريا التي يراد تفقيسها دوليا لا تمت إلى البيضة الإيرانية بصلة إلا بخيط من التدويل لكلتا الأزمتين اللتين لا نريد أن يكون مصيرهما كالمصير الذي آلت اليه دول أخرى تعاني من اختناقات سياسية حادة لم تفلح العمليات الجراحية الداخلية في الوصول إلى علاجها، رغم أنه تم تناولها منذ عقود دون أن تجد من يدفعها إلى الأمام أو الأحسن في اتخاذ التدابير اللازمة لعدم الوقوع مجددا في فخ السياسة العالمية التي بدأت تضع شروطا قاسية على كرامة الأفراد لحساب تدمير المكتسبات الوطنية لبعض الشعوب التي تريد إثبات أن كرامتها المهانة طيلة عقود عديدة باسم النضال العبثي أعظم من كرامة فرد أو فردين في قمة الهرم السياسي·
ومقابل ذلك كله أمامنا نموذج رائع يقدم لنا من أرض الكويت التي أثبتت فعلا بأن الحكم وشهواته المندفعة ليس هدفا محضا لبعض الحكام الذين أثبتوا للتاريخ المعاصر أن درء الفتنة ورأب الصدع وتضييق الخناق على ضغوط المصالح الذاتية هو الذي أضاف نسخة جديدة إلى سوار الذهب السوداني الذي يعد الأول عربيا باعتزاله الحكم في أحلك فتراته، وما حدث في عزل أمير الكويت الشيخ سعد العبدالله الصباح رغبة في لم شمل الأسرة الحاكمة على قلب رجل واحد، يمثل إضافة مميزة لاحترام المؤسسات الدستورية التي لها المكانة الرفيعة في توجيه بوصلة المجتمع نحو الاستقرار في كل معانيه، وذلك ما أضاف إلى رصيد الأمة العربية ذهبا ثانيا ناصعا وخالصا من كل شوائب السياسة التي تذهب بإنجازات الشعوب·
فتجربة الكويت تمثل عنوانا كبيرا واختبارا دقيقا للدول العربية الأخرى وغيرها في الاعتماد على الدستور كطوق نجاة للحكام والشعوب معا عندما تنقلب الموازين وتغبر الرؤية وتتشوه صورة الحقيقة· عودة إلى سوريا وإيران اللتين تمران باختبارات تلو أخرى، لا زالت الفرصة سانحة لهما لاختيار الأنسب مع ما يتلاءم مع مصالح شعبيهما لإيجاد مخرج سلمي لأزماتهما السياسية·
فلا نريد لسوريا ولا لإيران أن يكون مصيرهما الكسر في سلة واحدة، فقد آن الأوان لنبذ الخطب الرنانة والعنتريات الصارخة ودفنها قبل ولادتها من أجل السلم العالمي غير القابل للتجزئة لأننا جزء محتوم منه بواقع من العولمة المفروضة علينا·