يقول المؤرخ الإسرائيلي بني موريس (الذي ''بدل جلد'' مواقفه أكثر من مرة) في مقابلته الشهيرة مع الصحفي ''آري شاريت'' المنشورة في صحيفة هآرتس 9/1/2004: ''إن كانت نهاية القصة ستكون سيئة من وجهة النظر اليهودية، فإن سبب ذلك يعود إلى أن بن غوريون لم يكمل الترانسفير عام 1948 لأنه أبقى مخزونا ديموغرافيا كبيرا ومتفجرا في الضفة وغزة وداخل إسرائيل نفسها· إن عرب إسرائيل هم قنبلة موقوتة···''· هذا الكلام الخطير، يؤشر إلى ما يخطط إسرائيليا ضد الفلسطينيين الذين تمكنوا من البقاء على أراضيهم المحتلة في عام ·1948 إن الذي يجعل الجليل بهويته العربية كابوسا يؤرق الدولة العبرية هو نجاح هذه الأقلية في الحفاظ على طابعها العربي المتميز على مدار ستين عاما تقريبا· والأخطر من ذلك، فإن هذه المشكلة مرشحة للتفاقم إسرائيليا إذا علمنا أن نسبة زيادة السكان في إسرائيل لا تتجاوز (1,4%) بينما تصل إلى (3,4%) لفلسطينيي 48 حسب التقرير السنوي الصادر عن دائرة الإحصاء المركزية· وقد أجبر هذا الوضع المعقد الوزير الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان زعيم حزب ''إسرائيل بيتنا'' في مؤتمر هرتسيليا الخامس على طرح مشروعه الخاص للحل الدائم والنهائي مع الفلسطينيين والذي في صلبه استبدال الانسحاب الكامل من المناطق المحتلة منذ عام 1967 بتبادل أراض على أساس تبادل سكاني· فهو يريد ضم منطقة المثلث إلى الضفة الغربية مقابل الاحتفاظ بكامل المستعمرات/ ''المستوطنات'' في الضفة الغربية·
وعلى الرغم من الجوانب العنصرية والخطيرة الكامنة في مشروع ليبرمان، إلا أن فيه اعترافا من أشد فئات اليمين الصهيوني عنصرية وتطرفا في إسرائيل بضرورة التخلي عن مبدأ أرض إسرائيل الكاملة وأنه لابد في النهاية من قيام دولتين بين النهر والبحر· وبطبيعة الحال، لم يغير ليبرمان العنصري جلده إطلاقا ولكنه بات يخاف على ''يهودية دولته'' وأصبح على يقين أن مشروع الطرد الجماعي (الترانسفير الذي هدد به لسنوات طويلة) غير قابل للتنفيذ في ظل الظروف الراهنة· ولأن الكثيرين في إسرائيل يعلمون أن ''الترانسفير'' حل غير عملي وغير ممكن، لذا فإن الحل ''الأمثل'' لهذه المعضلة الديموغرافية هو المضي في تهويد منطقة الجليل بخطى متسارعة·
ومنذ اليوم الأول لقيام دولة إسرائيل، تقرر إقامة تجمعات يهودية بكثافة في الجليل وبخاصة على أنقاض القرى الفلسطينية المدمرة بغية سد الطريق أمام عودة اللاجئين الذين طردوا من ديارهم· ولأسباب أمنية، تقرر إقامة تجمعات يهودية حدودية إضافة إلى طمس هوية البلاد وتهويدها على الصعيد الرسمي· ويذكر أن إسرائيل صادرت حوالى مليون دونم من أصحابها في العقد الأول لقيامها فقط· وقبل حوالى العام، كشفت إسرائيل عن خطة لاستقدام (300) ألف مستعمر/ ''مستوطن'' يهودي لاستكمال تهويد الجليل· فقد أعلنت ''الوكالة اليهودية'' أنه خلال السنوات القليلة المقبلة (أي حتى عام 2010) ستقوم إسرائيل باستقدام (300) ألف ''مستوطن'' يهودي من جميع بقاع العالم لتوطينهم ضمن خطة حكومية لتهويد النقب والجليل· وقالت ''الوكالة'' إن الأراضي التي تمتلكها في الجليل ستباع للقادمين الجدد بأسعار رخيصة للغاية، وذلك في سعي منها لاستقطاب أكبر عدد من اليهود للقدوم والسكن هناك بهدف قلب الميزان الديموغرافي لصالح اليهود· وهذه أكبر عملية استعمارية تقوم بها ''الوكالة'' منذ قيام الدولة العبرية· وقد باشرت الحكومة الإسرائيلية بمشروعها فعلا من خلال تنفيذ مخططها الاستعماري الذي أطلقت عليه ''تطوير الجليل'' الهادف أساسا إلى تهويد ما تبقى من الأرض العربية في هذه المنطقة التي يسكنها أكثر من 60% من فلسطينيي ·48 وتشمل الخطة مشاريع استثمارية واقتصادية تضمن توفير آلاف الوظائف لليهود الذين سينتقلون للسكن في الجليل· وقد قامت الحكومة بعرض هبات ومغريات كثيرة لجذب السكان من جهة، والمستثمرين من جهــــــــة أخـــــرى بعـــــــد أن خفضــــت أسعــــــار الأراضي بنسب كبيرة، وأعلنت عن قروض سكنية ومغريات أخرى·
حين أطلق المسؤولون الإسرائيليون على المشروع الذي سيتكلف عند الانتهاء منه حوالى (17) مليار شيكل اسم ''مشروع تطوير الجليل''، هدفوا إلى عدم استعمال كلمة ''تهويد''· إلا أن الحقيقة هي أن المشروع تهويدي بامتياز، لأن المخطط يؤكد على منح هبات لـ(104) مجمعات سكانية يهودية في الجليل دون أي مجمع سكاني عربي واحد· وبالإضافة إلى ذلك، فإن شركاء الحكومة في تنفيذ المخطط هما الإطاران: الوكالة اليهودية ومديرية أراضي إسرائيل· وقد عكس بيان الوكالة اليهودية حقيقة أن في المشروع تهويد الجليل بتقوية الاستعمار/ ''الاستيطان'' اليهودي في تلك المنطقة· وبالإضافة إلى هاتين المؤسستين فقد تبرع العديد من يهود أميركا للمخطط، وهؤلاء لهم شروطهم وفي صلبها تهويد الجليل· والتخطيط المقترح يدعو السكان إلى الانتقال من المركز (حيث الكثافة اليهودية العالية) إلى الجليل حيث الكثافة اليهودية المنخفضة (علما بأن ذلك هو عكس حالة العرب الفلسطينيين في الحالت