وأنا أطالع آخر التقارير والأخبار المنشورة عن الشريطين الآخيرين لأسامة بن لادن وذراعه الأيمن أيمن الظواهري، جال في خاطري أنهما يبدوان أشبه بنجمين آفلين من نجوم موسيقى ''الروك''، وأنهما لا ينفكان عن إعادة تدوير وإنتاج أشرطتهما وأسطواناتهما القديمة، أملاً في أن تتاح لهما فرصة أخرى للتألق في إحدى صالات فنادق ''لاس فيجاس'' مجدداً، وأن ينشر عنهما الإعلان التالي ''أنتم على موعد الليلة في فندق ''سيزر'' مع ثنائي القردة''··· أما في فندق ''علاء الدين'' فهناك أيمن وأسامة''· لكن وعلى رغم ذلك، فإنه لابد لي من الاعتراف بأن في مجرد تزكية أسامة بن لادن لكتاب في شريطه الصوتي الأخير، ثم ما يلبث هذا الكتاب أن يقفز مباشرة إلى قائمة الكتب العشرة الأعلى مبيعاً ورواجاً في موقع ''أمازون دوت كوم'' للكتب خلال أيام معدودات فحسب، ما يشير إلى أنه ربما لا يكون له مستقبل طويل وحافل في مهنته الرئيسية كإرهابي، إلا أن في وسعه حتماً تأسيس واحد من أنشط أندية الكتب على الإطلاق· فلدى مراجعتي لموقع ''أمازون دوت كوم'' لاحظت أن اثنين من أعلى الكتب مبيعاً كانت قد رشحتهما ''أوبرا وينفري''، بينما رشح الثالث أسامة بن لادن··· فيا للحلاوة! لحظتها كنت قد بدأت أتخيل أسامة وهو قابع في كهفه في أحد الجبال الباكستانية، في حين تنهال عليه الكتب والمطبوعات من مختلف دور النشر ووكلاء التسويق الدوليين!
ولئن بدا لك أني هوّلت صورة بن لادن بعض الشيء هنا، فما ذلك إلا لعلمي أنه يؤذينا سراً الآن· وفي تقديري الشخصي أن هناك ثلاثة عوامل، هي التي جعلت من بن لادن كل هذا البعبع والخطر الجدي الذي نراه· أولها وضع يده على دولة بكاملها هي أفغانستان، حيث أتيحت له حرية تجنيد واستقطاب المقاتلين وتدريبهم، فضلاً عن حرية تعامله مع الأموال· أما العامل الثاني فيتمثل في سيطرته على حركة ''طالبان'' السياسية، ليضاف إلى ذلك العامل الثالث والأهم، المتمثل في نظرة الكثير من العرب والمسلمين إليه وإلى تنظيمه ''القاعدة'' باعتباره في مقدمة القوى التي تتصدى للولايات المتحدة الأميركية·
غير أن أفغانستان قد تسربت اليوم من بين أصابع بن لادن، بينما دالت دولة ''طالبان'' منذ عدة سنوات· وفي حين لا يزال له بعض الأتباع والمؤيدين في أوساط العرب والمسلمين، إلا أنني لا أعتقد أنهم لا يزالون يسمون أولادهم بــ''أسامة'' تيمناً وتبركاً به· والسبب وراء هذا الانحسار الملحوظ في شعبية تنظيم ''القاعدة''، هو أن كل من تابع تطورات وأحداث العراق الأخيرة، وكذلك تفجيرات إندونيسيا وشرم الشيخ وأفغانستان والأردن وغيرها، يدرك أن تنظيم ''القاعدة'' قد لطخ يديه بدماء الكثير من المسلمين الأبرياء، مقارنة بما سفك من دماء الأميركيين، وأنه فعل أفعاله الذميمة المنكرة هذه بأرواح المسلمين في المتاجر والأسواق وفي المساجد والأعراس والمآتم على حد سواء! كما تمكن مقاتلو تنظيم ''القاعدة'' من توجيه ضربات موجعة للسياحة في كل من مصر وإندونيسيا، مما أسفر عن قتل الوظائف نفسها، ومصادرة لقمة المواطنين وحقهم في العيش في تلك البلدان·
وإن لمن أقوى المؤشرات التي أصابت تنظيم ''القاعدة'' في مقتل في الدول العربية الإسلامية نفسها، ارتفاع أصوات عدد من كبار القادة الإسلاميين -بما فيها أصوات بعض قادة حركة ''الإخوان المسلمين'' في مصر- ضد التنظيم وممارساته الآثمة· ففي السابع من الشهر الجاري، كان أيمن الظواهري قد اتهم الحركة في مصر بأنها مجرد ألعوبة أو دمية بيد الأميركيين، بسبب مشاركتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة· ورداً على هذا الاتهام، نشرت وكالة الصحافة الفرنسية، ما يفيد عن تساؤلات قيادة حركة ''الإخوان المسلمين'' في مصر، عما أثمرت عنه أعمال العنف التي يخطط لها وينفذها تنظيم ''القاعدة''، ووصفت تلك الأعمال بأنها تعود بالضرر على التنظيم وتلطخ وجه الإسلام· وضمن ذلك تساءل عصام العريان المتحدث باسم حركة ''الإخوان المسلمين'' مستنكراً بقوله ''أي عائد عادت به أعمال العنف تلك؟'' ومن جانبه علق إبراهيم كروان مدير مركز الدراسات الشرق أوسطية في جامعة أوتاوا بقوله: أنْ يصدر نقد بكل هذه الصراحة من حركة ''الإخوان المسلمين'' لتنظيم ''القاعدة''، فإن فيه إشارة واضحة على فداحة الخسارة التي جناها التنظيم من شر أعماله، لكونها تظهر كم وعدد الأعداء الذين خلقهم التنظيم لنفسه سواء في الغرب أم في العالم العربي نفسه!
بل إن الأمر بلغ في مدينة الرمادي العراقية حداً، دعا أهل المدينة إلى إعلان حرب على المقاتلين المحليين التابعين للتنظيم، بعد أن أقدم هؤلاء على قتل 80 مواطناً من مواطني المدينة في هجوم على مركز لمجندي الشرطة في الخامس من يناير الجاري· لكن في الوقت الذي لا يخامرني فيه أدنى شك في أن بن لادن يجني الخسائر تلو الخسائر الآن، إلا أنني لا أعتقد في المقابل أننا نحرز تقدماً حقيقياً يذكر في جبهة إحداث التحول الديمقراطي الفعلي في العالمين العربي والإسلامي· فلا تزال تسيطر على المنطقة الأجهزة العسكرية والا