بل نحو 80 عاماً أشعل إرهابي نار أول حرب عالمية كبرى أكلت الأخضر واليابس على مدى دى خمسة أعوام· كانت التجربة كابوسا مريعا للبشرية التي اختبرت لأول مرة في العصر الحديث وبأسلحة مميتة معنى الخراب والدمار الجماعي الناجم عن حرب ضروس بين كبرى دول العالم·
وكانت شرارة البداية مجرد رصاصة أطلقها إرهابي في سراييفو لاغتيال ولي عهد النمسا والمجر عام 1914 ·
هذه حقيقة ربما لم يعد كثيرون يتذكرونها الآن بعد مضي كل هذه السنوات غير أنهم من الآن فصاعدا لن يقدروا على تجاهلها، بعد تهديدات الرئيس الفرنسي جاك شيراك الأخيرة·
لقد لوح شيراك أمس بأن فرنسا سوف تستخدم الأسلحة النووية ضد الإرهابيين والدول التي قد ترعى أو تدعم أي عمليات إرهابية تستهدف أراضيها ·
وهي المرة الأولى فيما يبدو التي تلجأ فيها فرنسا لمثل هذه التهديدات بصفة عامة، كما أنه لم يسبق لأي دولة غربية معنية بالقضية أن لوحت بالسلاح النووي ضد الإرهابيين···
الولايات المتحدة لم تفعل ذلك بعد هجمات 11 سبتمبر ضد نيويورك وواشنطن في ·2001
بريطانيا لم تفكر في الأمر على هذا النحو بعد تفجيرات لندن المروعة·
حتى إسبانيا أيضا لم تطرح شيئا من هذا القبيل لا من قريب أو من بعيد يوم وقعت المذبحة المروعة في محطات القطارات وراح ضحيتها العشرات·
هو إذن تحول كبير قد يخص فرنسا وحدها أو ربما كان إرهاصاً يمهد لتحول مماثل في الموقف الغربي عامة من قضية الإرهاب بما يعني ان الأمر قد يتجاوز السياسات الفرنسية نفسها· غير أنه تحول يكشف في كل الأحوال مدى فداحة الأخطار التي تهدد العالم بسبب الإرهاب والإرهابيين·
بل يكشف الأمر أيضا كيف أن أجواء التوتر والضغوط التي تفرزها عمليات الإرهابيين تدفع بالعالم إلى مناخات من الفوضى والضبابية تجعل الخيار النووي أمراً متاحاً ، سهلاً يمكن اللجوء إليه في أي لحظة على نحو ما هدد شيراك·
وأن تشن دولة صغيرة أم كبيرة هجوماً نوويا واسع النطاق أو محدودا إنما يعني ذلك حربا عالمية بالمعنى الحقيقي · وربما هذا هو ما يريده الإرهابيون بالتحديد·
لأنهم حينئذ لن يفجروا مجرد سيارة أو حافلة ركاب أو مطعما بل سيفجرون العالم بأسره بمجرد رصاصة أو شحنة ناسفة يفجرونها هنا أو هناك، تماما مثلما فعل الإرهابي الذي اغتال الارشيدوق فرانتنز وزوجته في سراييفو قبل ثمانية عقود·
فهل نسمح لهم بذلك ؟!