هل حوّل المرض شارون إلى حمامة سلام؟
في عموده المعنون بـ ''ما بعد شارون'' المنشور بصفحات ''وجهات نظر'' يوم الأحد الماضي، توصل الكاتب الأميركي جيفري كمب إلى استنتاجين متناقضين ومتضاربين فيما بينهما· فمن ناحية أقر الكاتب بأن الانسحاب الإسرائيلي الأخير من قطاع غزة بدا ناجحاً ومبشراً للوهلة الأولى، إلا أنه كشف لاحقاً عن خطأ وعيوب السياسة الأحادية التي اتخذها شارون في ذلك الانسحاب· ومن الناحية الأخرى توصل الكاتب إلى تلخيص المصاعب التي تكتنف مهمة العثور على قائد إسرائيلي قادر على اقتفاء خطى شارون، وله نفس العزم والتصميم، إلى جانب الصعوبة التي تحيط بالعثور على قائد فلسطيني بالمواصفات ذاتها· والمشكلة في هذين الاستنتاجين أنهما لا ينسجمان البتة مع بعضهما البعض، بالنظر إلى ما أقره الكاتب من خطأ واضح في سياسات شارون الأحادية من جانب، وإلى ما يفترضه الاستنتاج الثاني في شارون من عزم على التفاوض والتوصل مع الجانب الفلسطيني إلى تسوية للنزاع الممتد بينهما·
وربما ندرك جميعاً أن ظروف المرض- خاصة المهدد منه لحياة الإنسان- تثير مشاعر تعاطف عام مع المريض، على نحو ما نرى في الكثير من الكتابات والتحليلات لسيرة حياة شارون· ولكن يجب ألا ينسحب هذا التعاطف الإنساني العام، على المواقف الفعلية العملية لشخصيات مثل شارون· فقد ظل وحتى لحظة إصابته بالجلطة الدماغية الأخيرة، على تشبثه بالنهج الأحادي لتسوية النزاع مع جيرانه الفلسطينيين، وإقصائهم تماماً من أي دور يقوم على الحل التفاوضي السلمي للنزاع· وعلى رغم مكانته وحجم تأثيره على السياسات الإسرائيلية المعاصرة، إلا أن شارون ظل من ألد أعداء فكرة التفاوض من الأساس· ولكي يؤكد زعمه بعدم وجود طرف فلسطيني مؤهل للتفاوض، فقد واصل إضعافه المستمر للسلطة الفلسطينية، عسكرياً وأمنياً وسياسياً· ولذلك فقد تعجبت كثيراً من أن يصبح شارون فجأة في عيون البعض، وكأنه حمامة سلام بحق، وهو الذي ظل عمره كله نسراً جارحاً!
إسماعيل نجيب- دبي