تعــــرض ''أرييل شارون'' لمحنته الصحية المستعصية وخانته قواه الجســــدية بقسوة حين كان طالعه السياسي في قمة التألـــــق· ففي اللحظة التي باغتته فيها هذه المحنة، وجعلته يراوح جيئة وذهابا بين غــــــرف العمليات والعناية المكثفة فــــي مستشفــــى هداســـــا بالقدس، كانت استطلاعــــات الرأي تسجل شعبية قياسيـــــة لحزبه الجديد ''كاديما''· لقـــــد أصبح الرجل خارج نطـــــاق الصلاحيـــــة للخدمة فــــــي المجال السياســـــي، ولم تكتمـــــل بعد معالم حزبه الذي أحدث انقلابــــا فــــي البنيـــة الحزبيــــة الإسرائيليــــة· سيقول البعض إن غياب شارون السياسي سيصيب هذه البنية بجروح بليغة، جراء الفراغ القيادي لحزب ''كاديما'' الصاعد بقوة تاريخ زعيمه وتراثه العسكري والسياسي· وقد يذهب آخرون إلى أن اقتران ''كاديما''، من حيث النشأة والبرنامج والرؤية الفكرية، لا سيما على صعيد التسوية مع الفلسطينيين، بشخصية شارون على نحو مفرط، يعني تعرض هذا الحزب لضربة قاصمة تغور به إلى نفق ومستقبل لا يمكن توقع آفاقهما· وذلك أمر طبيعي يحدث لكل القوى أو البنى السياسية والمدنية التي تتأسس على الزعامة الكارزمية·
على أن غياب شـــــارون من المسرح الإسرائيلـــــي، بشقيه المدني السياســـــي والاستراتيجي العسكــــــري، وفـــــي توقيـــــت بالـــغ الحــــرج بالنسبة لدوره في معالجة ملف التسوية الفلسطينية، ليس حدثا عابــــــرا إسرائيليّا؛ ذلـــــــك لأن هذا القائد الإسرائيلــــي -حتى مع القناعة بأنه مجرم حرب قديم ومتجدد- تمكن من إحكام قبضته القاسية على هذا الملف، وكان على مدار السنوات الخمس الماضية صاحب خطوات وإجراءات تعسفية بعيدة التأثير في أحوال الفلسطينيين ومدارات حياتهم السياسية وغير السياسية· هو الذي عرض التسوية الجزئية طويلة الأجل، وقبل بخريطة الطريق بعد أن أحالها بتحفظاته إلى خريطة إسرائيلية الهوى، وأعلن أن الراحل عرفات ليس شريكا ولا ذا صلة في عملية التسوية، وحاصره في مقره وحرض عليه لعزله إقليميّا ودوليّا، وشـــــرع في تطبيق الجـــــدار العنصري فــــي جوف الكيان الفلسطينـــــي، ونفذ سياســـــة الأبارتايد والمعــــازل بحق هـــــذا الكيان، وهو الذي خطط للانفصال أو الانسحاب الشكلي أحادي الجانب من قطاع غزة دون التهاون في قضية السيطرة عليه برّا وبحرا وجوّا·
إبراهيم بلحمانية- المغرب