في محاولة لتهدئة المخاوف الإقليمية والعالمية، وبغرض تخفيف الضغوط الدولية، عقد الرئيس الإيراني أحمدي نجاد أول من أمس مؤتمراً صحفياً في طهران، أعلن فيه مرة أخرى أن إيران لا تحتاج إلى أسلحة نووية· مؤكداً على نوايا إيران السلمية، ونافيا السعي إلى الحصول على تكنولوجيا نووية، يمكن أن تستخدم لاحقاً في الأغراض العسكرية· مثل هذه التصريحات لن تدخل الطمأنينة أبداً إلى قلوب قادة العالم، ولن تثني الدول الغربية وخصوصاً بريطانيا والولايات المتحدة، عن عزمها تحويل الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن، بغرض توقيع عقوبات اقتصادية وسياسية، وربما حتى اتخاذ خطوات عسكرية لاحقاً·
ولكي نفهم أسباب انعدام الثقة الغربية في الطموحات الإيرانية النووية، يجب أن نسترجع بعض الأسس العلمية عن الطاقة النووية، وقدرتها على التحول بسهولة من الأغراض السلمية إلى الأغراض العسكرية· وتبدأ قصة الطاقة النووية، وبغض النظر عن نهايتها، مع عنصر اليورانيوم، الموجود بوفرة نسبية في مناجم جنوب أفريقيا والنيجر والكونغو· هذا العنصر يتمتع بخاصية مميزة، تمكن نواة ذراته من الانشطار في تفاعل متسلسل، تنتج عنه كمية هائلة من الطاقة· هذا التفاعل ممكن أن يتم بشكل بطيء، كما هو الحال في المفاعلات النووية، أو أن يتم فجأة وبشكل لحظي، كما هو الحال في الأسلحة النووية· ولكي يتم هذا التفاعل أو الانشطار بشكل مثالي، لابد من وجود كمية كافية من نوع من أنواع اليورانيوم، والمعروف باليورانيوم الخفيف أو الانشطاري (235u-)، بخــلاف اليورانيــوم الثقيــل(238-u)· فلكي يتم التفاعل النووي الانشطاري، سواء كان ببطء أم كان فجأة، فلابد من وجود كمية كافية من اليورانيوم الخفيف، وهي الكمية المعروفة بالكتلة الحرجة (critical mass)· ولكن تكمن المشكلة في أنه من كل ألف ذرة من اليورانيوم الطبيعي، نجد أن سبع ذرات منها فقط من النوع الخفيف، بينما تكون البقية الباقية -993 ذرة بالتحديد- من النوع الثقيل· هـــــذه المشكلة، أو بالأحرى الحقيقة الطبيعية، تجعل المهمــــة الرئيسية لعلمــــاء الذرة، هـــــي الحصــــول علـــى أكبر قـــدر ممكــــن مـــن اليورانيـــوم الخفيــــف، وهــي المهمــ-ـة المعروفــــة بتخصيـــب اليورانيـــــوم
.(Uranium enrichment) ويجب أن نتوقف قليلاً هنا عند مصطلح ''التخصيب''· فما يحدث في الحقيقة لا علاقة له بالتخصيب أو بالتلقيح بأي شكل من الأشكال، وما يحدث ببساطة هو عملية كيميائية تهدف إلى زيادة نسبة اليورانيوم الخفيف مقارنة بنسبة اليورانيوم الثقيل· أي أن التخصيب ببساطة هو نزع جزء من اليورانيوم الثقيل، مما يؤدي بالتالي إلى زيادة نسبة اليورانيوم الخفيف· وهو ما يجعل التخصيب في حقيقته، نوعا من أنواع التنقية الضرورية· ففي المفاعلات النووية مثلاً يجب أن تكون نسبة اليورانيوم الخفيف ثلاثة في المئة على الأقل، بينما يجب أن تبلغ نسبة اليورانيوم الخفيف في القنابل الذرية حوالى التسعين في المئة· وتعتبر عملية التخصيب هذه هي المحك، أو مفترق الطرق في ممارسات الصناعة والأبحاث النووية· فاليورانيوم الذي تم تخصيبه أو تنقيته، بحيث يصبح محتوياً على نسبة أكبر من النوع الخفيف، يمكن أن يستخدم لأي من الغرضين، المدني أو العسكري· ولذا غالباً ما تصبح الدول القادرة على تخصيب اليورانيوم، إما مالكة لأسلحة نووية، أو أنها على عتبة امتلاك مثل هذه الأسلحة· ومن بين الدول القادرة على تخصيب اليورانيوم اثنتا عشرة دولة، هي الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا والهند وباكستان وكوريا الشمالية وألمانيا وهولندا والبرازيل واليابان وإيران· ومن المعروف أن جميع هذه الدول تمتلك أسلحة نووية، ما عدا ألمانيا وهولندا والبرازيل واليابان وإيران· أما بالنسبة للوضع في إسرائيل فهو غير معروف -أو على الأقل غير مؤكد- على صعيد امتلاكها لتكنولوجيا التخصيب·
ويعتبر موضوع تخصيب اليورانيوم، هو بالتحديد خط المواجهة، ونقطة الصراع المرتقب بين إيران وبين المجتمع الدولي· فالإيرانيون يرون أنه من دون امتلاكهم للقدرة على تخصيب اليورانيوم، فلن يمتلكوا أبدا استقلالية استغلال الطاقة النووية للأغراض السلمية· وهو الخيار الذي يزعم الإيرانيون أنه أصبح خياراً استراتيجياً لمستقبلهم الاقتصادي، في ظل الارتفاع المطرد لأسعار البترول، والمتوقع استمراره بشكل أكثر حدة خلال العقود القليلة القادمة، نتيجة زيادة الاستهلاك المستمرة من العمالقة الآسيويين مثل الهند والصين· ويؤكد الإيرانيون على حسن نيتهم بتوقيعهم على معاهدة عدم الانتشار النووي، مع قبولهم حالياً بالتفتيش المفاجئ على منشآتهم النووية من قبل منظمات الأمم المتحدة· أما بالنسبة للدول الغربية، فيمكن تلخيص موقفها ببساطة بأن التخصيب اليوم يعني السلاح النووي غداً· وترى هذه الدول، أنه حتى لو كانت القيادة الإيرانية صادقة في نواياها حاليا، فهذا لا يمنح أي ضمان بألا تغير القيادات الإيرانية مستقبلا من موقفها· فامتلاك إيران للقدرة على التخصيب، وو