رحل الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم حاكم إمارة دبي إلى بارئه قبل أيام، وكان المرحوم شخصية محبوبة قلما تجد من لا يوده ويحترمه، كان كل من حادثته من الإماراتيين يتكلم عن المرحوم بالمحبة ويتذكره بالود والاحترام، وكان شعور أهل الإمارات جميعا الحزن على الرجل الذي كان من رموز نهضتها، وعنصرا مهما من عناصر استقرار الاتحاد وتقدمه وقوته، فلقد عايش الشيخ مكتوم -رحمه الله- فترة الوحدة والاستقلال، وتزامن في فترة حكمه التي استمرت خمسة عشر عاما مع مؤسس الدولة وقائدها المرحوم الشيخ زايد بن سلطان، وكان رحيما هادئا كريما ومحبا للناس والخير ولشعبه وأمته·
في الإمارات عموما -وفي دبي خصوصا التي كان الشيخ مكتوم حاكمها- مشهد من الجديد والحديث والعصري، إمارة دبي خليط من البشر الذين وفدوا إليها من كل مناحي الأرض للمساهمة في البناء وللقمة العيش الكريم، ولا يشعر الوافد أبدا بأنه في بلد غريب، فالإماراتيون شعب جبل على الطيبة والعطاء وتقبل الآخر، والخدمات التي تتوفر للسائح والزائر، قلما توافرت في أي بلد آخر·
وبتولي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم رئاسة مجلس وزراء الدولة وإمارة دبي، بدأ الكثير من المراقبين بتوقعات بالتجديد والسير بخطوات واثبة في مسيرة النهضة التي تشهدها دولة الإمارات العربية المتحدة، فمن المعروف أن الشيخ محمد هو مهندس نهضة إمارة دبي، وهو الرجل الذي ارتبط اسمه بالقرار والعصرنة والحزم ومحاربة الفساد، وهذه عناصر مهمة من الضروري توافرها في أي قيادة تنشد التقدم والاحترام·
المراقبون يتساءلون عن أولويات الحكومة الإماراتية الجديدة، فالاستقرار السياسي لا تشوبه شائبة، وللدولة رئيس كمرجع وأب للجميع متمثل في شخصية الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة· الشيخ خليفة بادر بكل ثقة قبل أسابيع بمبادرة ديمقراطية لبرلمان ينتخب نصف أعضائه دونما ضغوط داخلية أو خارجية، وإنما إدراكا للمتغيرات العالمية، ولمتطلبات الدولة العصرية الحديثة·
الإمارات تتفوق على دول المنطقة في مناح عديدة، وعلى دول العالم في مناح أخرى، فأساطيلها الجوية التجارية رائدة دولياً، ومطاراتها من أكثر مطارات العالم حركة، والإمارات واحدة من مقاصد السياح الأولى في العالم، واقتصادها متفوق على اقتصاديات عديدة في العالم حيث يعد دخل مواطنها السنوي الأعلى بين مداخيل المواطنين في أية دولة، وتتربع على المرتبة الأولى من حيث استخدام الإنترنت، وتعد الأقل من حيث نسبة الأمية بين دول المنطقة··· ولا يكاد يذكر مجال من مجالات التطور والتنمية والتقنية، إلا وتصدرت دولة الإمارات دول المنطقة فيه·
الشاهد أن دولة الإمارات العربية المتحدة اليوم، تعيش حالة نهضوية فريدة جعلتها مصدر غبطة للمحبين، وهدف حسد للعاجزين والحاسدين، ويبقى التساؤل المهم: أين ستنصب أولويات الحكومة الإماراتية القادمة برئاسة الشيخ محمد بن راشد؟ من السابق لأوانه التكهن بقراءة تلك الأولويات لأن الحكومة لم تتشكل بعد، ولكني أتوقع توقعا يملؤه التمني -مدفوعا بخلفيتي كأكاديمي- بأن تولي الحكومة القادمة لدولة الإمارات العربية المتحدة أهمية قصوى لمسألة التعليم، فالكل في عالمنا العربي ومنذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر يشير إلى التعليم والمناهج التعليمية كبيت الداء الذي خرج بعضا من جيل خائف وعاجز وكاره للآخر وغير قابل للانخراط في سوق العمل العصرية على الرغم من الشهادات الورقية التي يحملونها·
فهل تفعلها الحكومة الإماراتية القادمة وتحدث ثورة التعليم المنتظرة بالبطاقات المدفوعة التي تدفع القطاع الخاص التعليمي على التنافس المناهجي من جهة، وتقحم الأسرة بدور للتمحيص والمتابعة قسرا؟؟
لست أدري، ولكني واثق بأن الحكومة الإماراتية القادمة، ستضع بناء الإنسان نصب عينيها، وكيف يمكن الحديث عن البناء دون التركيز على التعليم ومناهجه؟