في متابعة التغيرات المتلاحقة على الساحة السياسية والحزبية في الكيان الصهيوني، ينصب معظم الاهتمام على انشقاق رئيس الوزراء أرييل شارون عن ''الليكود'' وتشكيل حزبه الجديد ''كاديما''، وعلى مستقبل هذا الحزب وأثره على الأحزاب الأخرى وعلى الخريطة السياسية بشكل عام، خاصة بعد مرض أرييل شارون· وفي المقابل، لا يحظى انشقاق شيمون بيريز عن حزب ''العمل'' وتعلقه بأذيال حزب شارون الجديد بالقدر نفسه من الاهتمام، رغم أن الخطوة التي أقدم عليها بيريز لا تقل أهمية عن خطوة شارون من حيث مغزاها وانعكاساتها·
إلا أن الكتابات القليلة نسبياً التي صدرت عن محللين في الكيان الصهيوني تعليقاً على خطوة بيريز ترسم صورة مركبة تجمع بين الدوافع الشخصية والتوجهات السياسية، بل والتسليم بالعجز على المستويين معاً· فعلى سبيل المثال، يرى دوف جولدشتاين (صحيفة معاريف، 4 ديسمبر 2005) أن ما أسماه ''الطوفان السياسي'': ''ما كان ليتم لو انقلب الحظ، وخسر شيمون بيريز في الاستطلاعات، ولو لمرة واحدة، وفاز في صناديق الاقتراع··· ولكان شيمون بيريز مرتدياً جلباب النصر في حزب العمل، يمارس سحره لإقناع حزبه بأن المهمات الكبرى، مثل المفاوضات من أجل السلام مع الفلسطينيين وتكوير النقب والجليل، تستلزم البقاء في الحكومة وتحمل العبء المشترك مع رئيس الحكومة والليكود، ولكانت الانتخابات ستُجرى في موعدها في نوفمبر ،2006 وما كان شارون سينسحب، على الأقل في هذه الفترة، من الليكود الذي أنشأه بجهد وكفاءة بالغين قبل عدة عقود''·
ويقود تحليل الكاتب إلى نتيجة مهمة مؤداها أن هزيمة بيريز في انتخابات حزب ''العمل'' هي التي عجلت بالانشقاق في حزب ''الليكود'' وكل ما تلاه من أحداث وتداعيات، وهو الأمر الذي يعكس مدى هشاشة البناء الحزبي القائم على أفراد بعينهم، وليس على مواقف وبرامج سياسية عامة، مما يعرض هذا البناء للانهيار إذا تغيرت ميول أولئك الأفراد أو نزعاتهم· ولعل الأزمة الصحية التي تعرض لها شارون مؤخراً والتكهنات التي أثارتها حول مستقبله السياسي ومصير حزبه الجديد، تؤكد هذه النتيجة· إلا أن الكاتب يخلص أيضاً إلى نتيجة أخرى ترتبط بالنتيجة السابقة، وهي أن الدوافع الذاتية هي العنصر الحاسم في حالة بيريز وفي العملية السياسية في الكيان الصهيوني عموماً، مما حول النشاط السياسي هناك إلى ''مستنقع ضحل'' على حد تعبيره، وهو يفصل ذلك قائلاً:
''الذاتية هي التي تملي المواقف· الذاتية، لا المواقف المبدئية والأفكار العقائدية، هي ما تنقل الشخص من حزب إلى حزب، كما أن الرغبة الشخصية في تعبيد الطريق إلى دهاليز السلطة والاستمتاع بالمزايا العديدة التي توفرها السلطة، هي العنصر المحرك والحاسم في الانشقاقات والاتحادات والائتلافات··· ومن المؤسف قول ذلك عن شيمون بيريز، فهو سياسي على مستوى دولي، وضيف مطلوب في أي صالون سياسي في كل مكان في العالم··· والذاتية وحدها هي التي دفعته إلى فقدان وعيه· فلو أنه حصل على بضع مئات إضافية من الأصوات في انتخابات حزب ''العمل'' الداخلية، لو أنه فحسب اختير لرئاسة هذا الحزب وغدا مرشحه لرئاسة الحكومة، لما انشق ولما التحق بشارون، ولما أعلن أن شارون هو وحده القادر على تحقيق السلام''·
ويتفق تحليل مناحيم بن (صحيفة معاريف، 27 نوفمبر 2005) إلى حد كبير مع التحليل السابق، فهو يرصد أيضاً عدداً من الظواهر السلبية في الحياة السياسية في الكيان الصهيوني، كما تجلت في حالة بيريز، الذي يطلق عليه لقب ''الخاسر الساحر''، وفي مقدمتها الحملة التي تعرض لها على أيدي زملائه في الحزب ومطالبته باعتزال الحياة السياسية بسبب تقدم عمره وهزيمته، وفي المقابل تشكيك بيريز في نتائج انتخابات حزب ''العمل'' دونما سبب سوى أنها لم تسفر عن فوزه، وجميعها ''ظواهر مخجلة''، على حد قول الكاتب· إلا أنه يرى أن خطوة بيريز سوف تؤثر سلباً على ''حزب العمل'' وعلى موقفه في الانتخابات القادمة، حيث ستضاعف من المشاكل التي يعاني منها أصلاً· ففي رأيه أن الحزب ''من غير بيريز سيكون بلاشك أكثر فقراً من الناحية المعنوية، وأكثر إملالاً، وأكثر تقزماً''·
وبالمثل، يعبر نداف إيال (صحيفة معاريف، 2 ديسمبر 2005) عن تشاؤمه بشأن مستقبل حزب ''العمل'' بعد انضمام بيريز إلى شارون، ويرى أنه سيواجه تحدياً كبيراً يتمثل في انصراف معظم ناخبيه التقليديين، الذين ''سيشعرون بتعاطف أكبر مع أرييل شارون وشيمون بيريز''، على حد قوله، مما يؤدي إلى خسارة مزيد من المقاعد في انتخابات الكنيست، ويشرح دواعي هذا التشاؤم قائلاً إن: ''جميع المتقاعدين وأعضاء الكيبوتسات، وهم الناخبون المدمنون لحزب العمل، سوف ينظرون إلى بيريز وشارون ويشاهدون طاقماً مجرباً هو الأكثر خبرة· وإذا كانت أحجار الأساس لحزب العمل، أي أولئك الناخبون الذين ظلوا طوال حياتهم يضعون بطاقة انتخاب حزب العمل في صناديق الاقتراع، سوف تهتز، فإن المبنى كله سوف ينهار بضجة كبيرة''·
ورغم وجاهة المقدمات التي ينطلق منها الكاتب، فقد يكون من الصعب في