في هذا الكتاب ''مناخ الخوف'' المبني على محاضرات سابقة ألقاها وول سوينكا -الكاتب النيجيري الحائز على جائزة نوبل للآداب عام ،1986 وأحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان- يرى الكاتب أن الخوف يشكل سمة أساسية ومحورية في السياسات الدولية اليوم· ومن رأي المؤلف أن في زيارة البشرية ومرورها بشتى ممالك الخوف المعاصرة عبر تاريخها القريب، ما يعتبر اعتداءً سافراً وصارخاً على الكرامة الإنسانية نفسها، علاوة على كونه تأكيداً على تتالي فصول ومراحل انتصار القوة وسيادتها على العقل والمنطق· يذكر أن المؤلف قد اضطلع بتحليل بيئة الخوف هذه في العلاقات الدولية، اعتباراً من الآيديولوجيتين الفاشية والنازية، مروراً بفترة الحرب العالمية الثانية، وصولاً إلى مناخ الحرب الباردة بين القطبين الرأسمالي والاشتراكي، وانتهاءً بما لا تزال تمثله مختلف الجماعات والمنظمات الإرهابية الدولية، بأشكالها ومسمياتها اليمينية واليسارية على حد سواء·
وكان سوينكا قد تناول موضوعاً شبيهاً في أول مؤلفاته وكتبه التي نشرت في أواخر ستينيات القرن الماضي تحت عنوان ''ورم القارة المفتوح''· ففي هذا الكتاب على وجه التحديد، قال سوينكا إن للخوف موطئ قدم ووقعاً ثقيل الظل على حياة المجتمعات الإفريقية على وجه الخصوص، وعلى حياة المجتمع البشري المعاصر بوجه عام، مما يجعل عالمنا بيئة ملائمة للغاية لتجار الحروب ولورداتها ومروجيها· بل تجعل هذه الظروف من العالم المعاصر بيئة ملائمة جداً للمتشددين والمتطرفين من كل جنس ولون·
وكما سبقت الإشارة آنفاً، فقد اعتمدت مادة هذا الكتاب على خمس محاضرات قدمها المؤلف العام قبل الماضي ،2004 بـ''المؤسسة الملكية'' بلندن، تناولت ما يشكل المعالم والملامح الرئيسية لما أسماه الكاتب ''بيئة الخوف العالمي''· إلا أن أسلوب الكتابة هنا، جمع بين المذكرات والملاحظات الشخصية من جهة، وكتابة المقال التحليلي السياسي من جهة أخرى· وأهم ما يميز الكتاب أنه لا يقوم على تجريدات نظرية بحتة لبيئة الخوف التي يتناولها الكاتب، وإنما اعتمد في المقام الأول وقبل كل شيء، على تجارب المؤلف وذكرياته الشخصية عن مقاومة قهر وقمع الديكتاتورية العسكرية الباطشة في وطنه نيجيريا إبان حرب ''بيافرا''، وكذلك عن ذكريات مرافقته ووقوفه إلى جانب الفيلسوف الإنجليزي برتراند راسل، الذي تحول إلى واحد من أبرز الشخصيات العالمية المناهضة للسلاح النووي وللاختبارات النووية· ولكن هل تشكل الذكريات الشخصية المباشرة وحدها سياقاً عاماً مشتركاً لما يمكن وصفه ببيئة الخوف العالمي؟
كان طرح المؤلف للسؤال نفسه، خير عون له على الخروج من دائرة الذكريات الشخصية الضيقة، إلى رحاب التجربة الإنسانية الأوسع، بما يتيح المجال لتعميم التجربة الشخصية وقراءتها في ضوء ما هو إنساني عام ومشترك في العلاقات الدولية المعاصرة· ومن رأي الكاتب هنا أنه وإذا ما قيل عن هجمات الحادي عشر من سبتمبر على الولايات المتحدة الأميركية إنها غيرت عالمنا المعاصر مرة واحدة وإلى الأبد، فلنذكر أن العالم نفسه كان قد تغير من قبل منذ عام ·1988 وكانت تلك أقرب إشارة تاريخية معاصرة لتبدلات وتغيرات هذا العالم التي بدأت عملياً منذ البيئة الدولية السابقة لاندلاع الحرب العالمية الثانية، التي شهدت نهوض وصعود كل من تياري الفاشية والنازية وغيرهما من الآيديولوجيات الداعية إلى تغيير العالم بالعنف والقوة·
فقد شهد عام 1988 حادثة تفجير طائرة ''بان أميركان ''103 فوق سماء قرية لوكيربي الأسكتلندية· ثم تلاها بعام واحد فحسب، تفجير طائرة ATU فوق سماء النيجر· وعن هذه الحادثة الأخيرة بالذات، قال المؤلف إنها كانت تعد جريمة في غاية البشاعة واللاإنسانية، وإن القادة الأفارقة ورؤساء الحكومات والدول والمنظمات قد استقبلوها بالصمت المطبق والأيادي المكتوفة العاجزة عن فعل أي شيء· وليس ذلك فحسب، بل استقبل العالم والقادة المحليون الأفارقة معاً، جرائم التطهير العرقي التي راح ضحيتها الآلاف في رواندا، بعيون لم يطرف لها جفن، وبقلوب لم تنفطر ولم ترف على هول ما حدث! ومنذ تلك الجرائم والآثام، فقد أصبح الإرهاب والخوف لغة العصر وأبرز معالمه المعاصرة على الإطلاق، ولذا فقد كان طبيعياً أن تقع هجمات الحادي عشر من سبتمبر وأن يحدث ما يحدث اليوم في العراق، وأن تتعرض جزيرة بالي وفنادق كينيا ومومباسا لما تعرضت له على أيدي الإرهابيين، وأن يحتقن أفق البشرية بالمزيد من الهجمات والانتهاكات والمخاطر التي تخدش معنى الإنسانية بحد ذاته·
وفي سبيل مكافحة هذه الآفة الدولية التي أضحت تهدد حياة البشرية اليوم، فإنه يتعين على المجتمع الدولي -على حد رأي الكاتب- أن يرفض وبحزم الفكرة القائلة إنه لا يوجد أبرياء البتة في عالم اليوم، في ذات الوقت الذي يبذل فيه كل ما بوسعه من أجل تغيير الظروف والبيئات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي شكلت مناخاً ملائماً لانتشار ظاهرة الإرهاب من الأساس· ويمضي الكاتب في تفاؤله وقناعته بضرورة تغيير هذه البيئات