مع بزوغ فجر العام الجديد، أصبح لزاماً على عنفوان الحملة الانتخابية التي انتظمت الشرق الأوسط كله في العام الماضي تقريباً أن يسفر عن تمعن أكثر عمقاً في آفاق التحول الديمقراطي في هذا الجزء المضطرب من العالم، وعن فهم أرسخ لطبيعة الاختلاف ما بين السياسات الانتخابية والديمقراطية الحقة· ذلك أن العام الماضي، شهد سلسلة حملات انتخابية متصلة وغير مسبوقة في تاريخ المنطقة· فقد جرت الانتخابات الرئاسية في فلسطين بشأن رئاسة السلطة الفلسطينية في شهر يناير من العام الماضي، بينما تجري حالياً الانتخابات البرلمانية في شتى المدن والقرى الفلسطينية· أما في المملكة العربية السعودية، فقد جرت انتخابات البلديات عبر سلسلة من الجولات خلال الأشهر الممتدة بين فبراير وأبريل من العام الماضي· إلى ذلك فقد شهد شهر يونيو المنصرم إجراء انتخابات برلمانية في لبنان، وأخرى رئاسية في إيران· وفي مصر جرت أول انتخابات تنافسية رئاسية في تاريخ مصر القريب، في شهر سبتمبر من العام الماضي، في حين اتجه الناخبون المصريون للإدلاء بأصواتهم مجدداً في الحملة الانتخابية البرلمانية التي جرت في شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين·
ثم نصل أخيراً إلى العراق الذي شهد ثلاث حملات انتخابية متتالية في العام الماضي ،2005 هي الأولى من نوعها لما يزيد على الثلاثة عقود من تاريخه الحديث، اتجه خلالها الناخبون أولاً إلى صناديق الاقتراع في شهر يناير من العام المذكور، لانتخاب حكومتهم الوطنية المؤقتة، تلتها حملة أخرى لإجازة الدستور الدائم للبلاد في شهر أكتوبر من العام نفسه، لتختتم بالانتخابات البرلمانية التي جرت في شهر ديسمبر المنصرم·
ومما لا ريب فيه أن في هذه الأخبار ما يحمل الغبطة والسرور لإدارة بوش، وللكثيرين غيرها من الأميركيين المتفائلين بحدوث تحول سياسي عميق وجذري في المنطقة· وعلى الرغم من الانتقادات الحادة التي وجهتها إدارة بوش للانتخابات الرئاسية الإيرانية الأخيرة، لكونها لم تسمح لكل المرشحين والمتنافسين على المنصب الرئاسي، بخوض الانتخابات عملياً، إلا أن الانتخابات الرئاسية المصرية، التي سمحت للعديد من المرشحين بمنافسة الرئيس الحالي حسني مبارك -الذي فاز مؤخراً بولاية خامسة لرئاسته- لقيت ترحيباً حاراً من جانب واشنطن، التي اعتبرتها معلماً بارزاً من معالم التحول السياسي في منطقة، طالما عدت بؤرة للأنظمة الأوتوقراطية المستبدة· وكما جاء في حديث كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية أثناء زيارة لها للقاهرة في شهر يونيو الماضي، فإن ''الحرية هي التوق العالمي الذي تتطلع إليه جميع الأرواح، في حين تمثل الديمقراطية، الطريق الصحيح والمثالي الذي ينبغي أن تسير نحوه كل الأمم والشعوب''·
غير أن السؤال المهم الذي لابد من طرحه وأخذه على محمل الجد هو ما إذا كانت تلك الحملات الانتخابية المتلاحقة التي شهدتها المنطقة، تصب في خدمة الحرية وترسيخ الديمقراطية حقاً، مع أنها لم تكن تخلو من دوافع إرضاء المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة الأميركية؟ ثم هناك سؤال ثان يرتبط بهذا: هل تعكس الحملات الانتخابية هذه، حقيقة الرأي العام الشرق أوسطي، أم أنها هدفت لطمأنة أميركا القلقة والتي تريد ظهور ما يطمئنها على أن تقدماً سياسياً فعلياً يجري في منطقة، بادرت هي إلى شن حرب واسعة النطاق من أجل تحويلها سياسياً؟
يصعب تقديم إجابات شافية قاطعة على هذين السؤالين، غير أن المؤكد هو أن أياً من هذه الحملات الانتخابية المذكورة، لم تستطع تمثيل كل أو حتى غالبية المشاركين المفترضين فيها· ففي إيران مثلاً، كررت إدارة بوش شجبها أكثر من مرة، لإقصاء العشرات من المرشحين الإصلاحيين من الحملة الانتخابية، وحرمانهم من حق المشاركة والتنافس فيها· وقس على ذلك كافة الحملات الانتخابية الشرق أوسطية الآنفة الذكر، التي لم تخلُ جميعها من ثغرات وهنات أساسية اعترتها·
ففي مصر مثلاً، لم يبال ربع الناخبين بالإدلاء بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة· وها هي وقد اختتمت فعلياً بالحكم بالسجن على المعارض أيمن نور، الذي كان منافساً رئيسياً لحسني مبارك، علاوة على خسارته معركته الانتخابية التي هدف منها إعادة ترشيح نفسه لمقعده البرلماني الذي ظل يشغله على امتداد عشر سنوات· وفي العراق فقد بلغت نسبة الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة نحو 70 في المئة، على الرغم من كونها الانتخابات الأولى التي لم يبادر جميع الناخبين السنة إلى مقاطعتها! إلى ذلك فقد أسفرت النتائج النهائية للانتخابات التي شهدتها المنطقة العام الماضي، سواء في فلسطين أم في العراق أم إيران أم مصر، عن فوز التيارات الدينية المتشددة، على حساب الأحزاب والقوى السياسية الليبرالية، محققة بذلك فوزاً سياسياً انتخابياً أفضل مما كان متوقعاً لها بكثير· والشاهد أن كثيراً من حكومات المنطقة تعاملت مع الانتخابات باعتبارها ''شراً لابد منه'' وعملية سياسية باهظة التكلفة، أريد بها إخراس الأصوات المعارضة ب