مرت قبل أيام قليلة الذكرى الخامسة والثمانون على تأسيس الجيش العراقي الذي يعيش في المرحلة الحالية ظروفاً غير مسبوقة في حياته! فهذا الجيش الذي أصبح خلال عقود قليلة أقوى وأهم قوة عسكرية على المستوى الإقليمي، يتكون الآن من عدد غير محدد، بسبب تضارب الأرقام التي تعطيها الحكومة العراقية المؤقتة مع ما تذكره المصادر الأميركية، لكنها على كل حال أرقام تبعث الآن على الخجل إذا ما قورنت مع أرقام حجم الجيش العراقي في مرحلة سابقة·
صحيح أن الجيش العراقي خاض حروباً عبثية غير محسوبة ولا تعكس أي إرادة وطنية عراقية، بقدر ما هي تعبير عن نزوات شخصية مريضة، وذلك كمظهر للانحراف الأكبر بهذه المؤسسة العسكرية العربية العريقة عن طابعها المهني المحض في اتجاه التسييس والانتماء الأيديولوجي العقيم خلافاً لوظيفتها الوطنية الأولى في الدفاع عن حوزة البلاد ومقدساتها وأمنها الاستراتيجي· وإن خرج الجيش العراقي من حرب الثماني سنوات مع إيران بتجربة مهمة وقدرات قتالية وفنية وتصنيعية عملاقة، فإنه أصيب بانتكاسة معنوية ومادية في حرب تحرير الكويت عام ،1991 ثم مر بمرحلة سنوات الحصار التي عرف خلالها تراجعاً مهنياً، لتأتي الصدمة مع الهزيمة النكراء التي تعرض لها في حربه ضد الغزو الأميركي عام 2003 خلال معركة غير متكافئة، وذلك قبل أن يصدر الحاكم الأميركي المؤقت بول بريمر قراراً بحله بعد أسابيع قليلة من الغزو، وأصبح بذلك مئات الآلاف من أبناء المؤسسة العراقية نهباً للفقر والجوع والفاقة، ومعهم عوائلهم· وبقدر ما كان ذلك القرار بداية مأساة شخصية واجتماعية لعسكريين لم يعرفوا في حياتهم غير الاحتراف العسكري، فقد كان أيضاً مأساة للعراق كبلد تمت استباحته إلى حد غير مسبوق· واليوم نرى التقارير الأميركية تتحدث عن فشل المحاولات الراهنة لبناء جيش عراقي، وتعترف بأن ما تم تحقيقه في هذا الصدد لم يكن سوى جمع لبعض الميليشيات المسلحة، مما أسفر عن جيش ضعيف ومفتقر للتسليح والمهارات وأكثر من ذلك ذي ولاء طائفي بحت!
جابر عبدالله - بغداد