بين التشويه والخذلان
أعطى روبرت فيسك الدليل بالقرائن والشواهد على مدى تحيز الإعلام الأميركي ضد القضايا العربية، وفي مقدمتها قضية الاحتلال الصهيوني لفلسطين، وبين في مقاله ''لغة الأخبار الأميركية: تواطؤ بهدف التشويه!'' (الاتحاد، الثلاثاء 3 يناير 2006) أن المصطلحات والمفاهيم التي تستخدمها هذه الصحافة هي ذات المفاهيم والمصطلحات التي يتعاطاها قادة الولايات المتحدة وإسرائيل، ومن ثم لم تترك الصحافة الأميركية لنفسها حدا أدنى من مسافة الحياد إزاء صراع له أبعاد حقوقية وأخلاقية وتاريخية معروفة··· سعى ذلك الإعلام إلى تشويهها بشكل مباشر حينا وغير مباشر في حين آخر، لكنه متعمد على الدوام، إذ عمل على أن يكرس منظومة من المفاهيم والمصطلحات التي يراد من ورائها تغيير التاريخ وحقائقه؛ ''فالمستوطنات اليهودية غير القانونية، على الأرض العربية أصبحت ''مستعمرات'' واعتدنا أن نسميها كذلك··· ومنذ سنتين تقريبا تم تغيير كلمة ''مستوطنات'' بعبارة جديدة هي ''الأحياء اليهودية''· على نفس المنوال تم تخفيف مصطلح (الأرض الفلسطينية المحتلة) في العديد من تقارير وسائل الإعلام الأميركية ليصبح (الأراضي الفلسطينية المتنازع عليها) وهناك أيضا الحائط··· الذي يمر في عمق الأراضي العربية، وكثيرا ما يشار إليه هذه الأيام بكلمة السور بدلا من كلمة الحائط، أو حتى الحاجز الأمني''! لكن يبدو لي أن الكاتب لم يطلع على إعلامنا العربي هذه الأيام، ولو تابع ما يقدمه هذا الإعلام لاكتشف أن نظيره الأميركي ربما كان أكثر انحيازا وأكثر جرأة في قول الحق وتعرية الحقيقة في مواقف كثيرة! فالأمة العربية التي دعت الفلسطينيين إلى مغادرة قراهم ومدنهم حتى لا يقعوا تحت رحمة البطش الصهيوني عام ،1947 وريثما تجهز هذه الأمة ''العظيمة'' جيوشها لاسترداد الأرض من غاصبيها بالقوة، هاهي تعجز اليوم عن تقديم الدعم للشعب الفلسطيني ولو كان ذلك بمجرد كلمة، أي من خلال وسائل الإعلام التي ليس لها من هم إلا مديح ذوي السلطة وتزيين أفعالهم، ولا تتقن غير ذلك! وإذا كان الإعلام الأميركي يشارك في محاولة كبرى لطمس الجرائم الإسرائيلية والتغطية على الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، فإن بعض الإعلام العربي يمارس ذلك أيضا، ولكن يضيف إليه دورا آخر ألا وهو تدمير الروح المعنوية للإنسان الفلسطيني ونعته بأنه انتحاري ومتطرف ومسلح و''معسكر''··· فماذا إذن يمكن لفيسك أن يكتب لو تابع ما تقدمه وسائل إعلامنا العربية؟!
نادية حمد- دبي