على الرغم من أن تدخّل مجلس الوزراء بشأن أسعار بعض المواد الغذائية الأساسية وضع حداً للأسلوب الاحتكاري الذي انتهجته تكتّلات المنتجين مؤخرا في تحديد أسعار هذه السلع في السوق المحلية، وتبلور عن هذا التدخّل آلية جديدة لضبط الأسعار وتنفيذ سياسة تحرير استيراد 16 سلعة أساسية من دون الرجوع إلى الوكيل المحلي، فإن هذه الواقعة بكليّاتها تلفت النظر إلى قضايا أخرى أكثر أهمية·
لقد أدى تدخّل المجلس إلى تراجع سريع لعناصر هذه التكتّلات عن قراراتهم بشأن رفع الأسعار، ما يؤكد عدم وجود مبررات اقتصادية كافية لهذه القرارات في الأساس، بل إن هذه القرارات في حدّ ذاتها تتعارض كليّا مع مبادئ الاقتصاد الحر الذي تنتهجه الدولة، ويمكن أن تجر أسواق الدولة نحو ممارسات احتكارية تؤثر في كفاءة الأسواق التي يفترض أن تكون الآلية الرئيسية لتخصيص الموارد في هذا النوع من الاقتصاد الحر القائم في الأساس على فكرة خروج المنتج الأقل كفاءة من السوق عند ارتفاع تكلفة الإنتاج، كما يدّعي أصحاب هذه التكتّلات، كما أن أيّ سلوك احتكاري من هذا النوع يؤثر سلبا في مستويات التضخّم، وهذا ليس في مصلحة الاقتصاد الوطني عموما، ولذلك ينبغي أن تترك آليات المنافسة لتقوم بدورها في تحسين أداء الاقتصاد· بل أكثر من ذلك، فإن هذا النوع من التكتّلات الذي يستخدم في تعطيل آليات السوق، من خلال تحديد الأسعار، يعدّ جريمة اقتصادية يعاقب عليها القانون في الدول المتقدّمة التي تعتمد منهج الاقتصاد الحر·
إن أهم الملفات التي فتحتها قضية تكتّلات المنتجين هذه تتعلق بقصور القوانين والتشريعات الاقتصادية عن مجاراة ما يحدث من تطوّرات حتى على الساحة الداخلية نفسها· فالقوانين الاقتصادية المهمّة، على شاكلة قانون حماية المستهلك أو قانون الوكالات التجارية، ما زالت غائبة أو قاصرة عن توفير الغطاء القانوني لأي إجراء فعلي لمعاقبة الشركات التي تقوم برفع الأسعار خارج سيطرة القانون مستقبلاً، أو تصرّفات أخرى من شأنها أن تلحق الضرر بمصالح الاقتصاد القومي· إن المرحلة المقبلة تتطلّب إعادة صياغة التشريعات والقوانين الاقتصادية المعمول بها في الدولة حاليا· فهذه القوانين رغم التعديلات المستمرة والتطويرات المتلاحقة عليها، فإنها لم تتمكّن من اللحاق بالتحوّلات الاقتصادية الهيكلية التي تشهدها الدولة حاليا، وتنوع واتساع رقعة القاعدة الاقتصادية، ما يفرض ضرورة ملحّة لإعادة طرحها وتعديلها بما يتناسب مع هذه التطورات· إن مشكلة التشريعات الاقتصادية والتجارية والمالية المعمول بها في الإمارات حاليا تتكوّن من ثلاثة أبعاد أساسية، من حيث الكمّ والكيف والتطبيق· فهي لا تكفي لتغطية جميع جوانب التعاملات الاقتصادية المتجدّدة والمتطوّرة باستمرار، حيث إن هناك العديد من الممارسات الاقتصادية والتجارية لا تجد غطاء قانونيا كافيا لمعالجتها، كما أن أغلب هذه القوانين قديمة، بل يعود بعضها إلى منتصف عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وهي بذلك لا تواكب الواقع الاقتصادي الحالي الذي تغيّرت ملامحه شكلا ومضمونا خلال العقدين الماضيين بصورة تجعل من مثل هذه القوانين عائقا كبيرا أمام عملية النمو الاقتصادي·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae