الإسرائيليون يطلبون نوعا من الأمن المطلق يستحيل تحقيقه إلا من خلال نفي أو إلغاء أو إبادة الآخرين أو امتصاصهم· وعلى مدى سبعة وخمسين عاما حاولت إسرائيل بلوغ هذه الدرجة المستحيلة من الأمن بشتى السبل، ومنها الحروب وكل أشكال الاعتداءات بأعتى صنوف الأسلحة، ومع ذلك فشلت في الماضي وستفشل في المستقبل أيضا، لأن مفهوم الأمن لديها قائم على وهم التفوق العنصري واستلاب الأرض وإفراغها من أصحابها·
ومنذ توليه مقاليد رئاسة الحكومة في اسرائيل عام 2001 وشارون لا يدخر جهدا من أجل فرض أمر واقع جديد يكرس هذا المفهوم· وفي عهده شهد العالم إعادة احتلال مناطق واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة، واستخدام أحدث أسلحة الترسانة الحربية الإسرائيلية في قتل المدنيين الفلسطينيين العزل، واغتيال قيادات فلسطينية مدنية بالصواريخ الموجهة من طائرات ''الآباتشي''، وبناء الجدار العنصري العازل في الضفة على حساب أراضي الفلسطينيين، وحرمانهم من حيازة أي مقومات ضرورية لإقامة دولة مستقلة قابلة للبقاء، ومواصلة سياسة الاستيطان بلا هوادة، بالتزامن مع تجميد المفاوضات والاتصالات الثنائية وما تسمى إجراءات بناء الثقة، ومحاصرة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسرعرفات والعمل على تقويض أركان وأدوات السلطة الفلسطينية، وأخيرا وليس آخرا العمل على إنشاء منطقة ''حزام أمني عازل'' داخل قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي القهري من القطاع تحت ضغط ضربات المقاومة، ضمن خطة وضعها شارون ونفذها بصورة أحادية الجانب، بمعزل عن ''خريطة الطريق'' ودونما تنسيق مع أطرافها المعنية، باستثناء الولايات المتحدة التي يتشاور معها بصفتها حليف إسرائيل الرئيسي·
والحق أن شارون يريد من الأميركيين وربما من الرئيس بوش شخصيا إطلاق رصاصة الرحمة على ''خريطة الطريق'' بعد أن كانت عنوان مفاوضات التسوية في عهد إدارته الجمهورية، لأن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم ينس أن له 17 تحفظا عليها وأنه اضطر إلى قبولها بشروط مؤقتا، وحتى إشعار آخر·
وقد حان وقت ''الإشعار الآخر''·· فخطة شارون الجديدة التي كشفت عنها صحيفة ''معاريف'' تبدو كما لوكانت ''رصاصة الرحمة'' تلك، وهذه المرة تختص الخطة بأمر الضفة الغربية واقتطاع أراض منها بذريعة المزاعم الأمنية إياها، لكن المهم الذي يتعين الالتفات إليه أيضا هو أن شارون في كل مخططاته الخبيثة التوسعية يراهن على ثلاثة أمور: القضاء على السلطة الفلسطينية ونشر الفوضى الأمنية وشق الصف الفلسطيني، ومن ثم فإن الركائز الثلاث المتمثلة في تدعيم هذه السلطة والسيطرة على الأوضاع الأمنية وتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية تشكل الصخرة القوية التي ستتحطم عليها خطط شارون وأي مخططات أخرى تستهدف سلب المزيد من حقوق الشعب الفلسطيني الذي يدرك بوعيه السياسي العميق ومن خلال تجارب نضاله البطولي الأهمية القصوى للحفاظ على هذه الركائز·