ركزت سياسة التعليم منذ قيام دولة الإمارات، وبشكل رئيسي على الجانب الكمي، وحققت هذه السياسة إنجازات مهمة تظهر جلياً من خلال نظرة سريعة للإحصائيات المنشورة عن التعليم العام· وفي المقابل لم يحظَ مضمون التعليم ونوعية مخرجاته بكافة مراحله بدءاً من التعليم الأساسي وانتهاء بالتعليم الجامعي بذات الاهتمام وكان هذا الوضع مفهوماً ومبرراً في ضوء متطلبات المرحلة· والآن تواجه المؤسسات التعليمية تحدياً لإعادة صياغة مضمون العملية التعليمية لتشكيل أجيال ليست فقط صالحة وذات هوية أصيلة، وإنما أيضاً أجيالا تستوعب المتغيرات والتحولات العالمية المتتالية من حولها، وقادرة على قيادة عجلة التنمية الشاملة خلال المرحلة المقبلة· إلا أن هذا الأمر يزداد صعوبة أمام مؤسسات تعليمية تشوب مناهجها المدرسية الكثير من الثغرات، وسط شلالات مختلفة من الضخ المعلوماتي والثقافي والذي لابد أن يضيف إلى ثقافة الطالب شيئا أو على الأقل أن يثير انتباهه إلى المتغيرات من حوله، حيث ما زال مزيد من صور التغيير في مفاهيم التلقي المعرفي يثري بالمعلومة بقدر ما قد يقتلع في اندفاعه عديدا من المسلمات والمعارف الفطرية· ومن ثم فالمناهج الحديثة لابد أن تواجه مسؤولياتها بأن تكون قادرة على تحقيق الحصانة لا سيما أن مفاهيم التعليم اليوم قد اختلفت في وسائلها وأهدافها·
لم تقف الانتقادات الموجهة للنظام التعليمي عند حد النقد التقليدي للمناهج الدراسية، التي تحمل كثيرا من الحشو والتكرار والتلقين والأخطاء العلمية والترجمة الحرفية التي تستعصي على الفهم، حيث أصبح الوعي بهذه المشكلة موجودا لدى الجميع، وإنما تعدى ذلك لاتهام النظام بتشتيت القدرات الإبداعية والذهنية للطلاب، والإخفاق في تخريج طلبة يتقنون مهارات التفكير النقدي والإبداعي، في الوقت الذي تعمد فيه الجهات التعليمية إلى قياس التطوير الحاصل في مؤسساتها بناء على معايير كمية، متجاهلة لحد كبير نوعية الطلبة وكفاءتهم· يرافق كل ذلك غياب للطرق الفعالة التي تفرز تغييرا جوهريا في عقلية الطالب، من خلال مناهج تعليمية متطورة تعتمد على تنمية المهارات العقلية كالعصف الذهني واتخاذ القرار وحل المشكلات والاستنتاج والاستقراء والتجريب في إنتاج المعرفة·
إن العملية التعليمية لا تسير بوتيرة واحدة وإنما تشكل كما وكيفا ومضمونا، وفقا لمتطلبات كل مرحلة على حدة· وهذا هو جوهر القضية برمتها، حيث تبرز عملية تطوير المنهج التعليمي وآليات ووسائل تطبيقه كأحد أكبر التحديات الاستراتيجية التي تواجه الدولة خلال المرحلة المقبلة· وإذا كانت المؤسسات التعليمية مطالبة بالاهتمام بالكفاءة وتطوير النوعية، من خلال مناهج متجددة تواكب الإيقاع العالمي المتسارع في جميع الاتجاهات، فإن آلية ومنهجية التدريس هما أخطر الحلقات أمام تطوير وإصلاح التعليم في الدولة· هناك مشكلات تواجه المعلم في المدرسة إذا ما حاول الخروج عن الأساليب التقليدية للتدريس والمرتكزة على التلقين والحفظ، كما يلاحظ وجود شكاوى من تدني مستوى الطلبة داخل الفصول التي يحاول المعلم فيها الابتعاد عن طرق التدريس النمطية، مما يضع العملية التعليمية بأبعادها المختلفة أمام تحد أساسي يتمثل في إخراج مؤسسات التعليم من بيئتها التلقينية إلى رحاب تفاعلية·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae