بانقضــــاء آخر يوم من عــــام ،2005 يرخى الستار على نصف قرن من استقـــلال الســـــودان عن الاستعمـــار الإنجليزي فــي مطلــــع عام ·1956 وإنها لمناسبة وطنية عظيمــــة تستحـــق التمجيد والاحتفال، مـــا في ذلك أدنى شك·
لكنهــــا في نفــــس الوقت تحـــل والبلاد تمر بأحد أخطر منعطفاتها التاريخية والسياسية علــــى الإطلاق· فقد أثقلت هذه الســــنوات الخمسون، بتركة ممتدة من الانقلابات العسكرية -آخرها انقلاب الإنقاذ الأخير في يونيو ،1989 الذي لا يــــزال يواصل تأثيــــره السلبي على الحياة السياسيــــة في السودان- ومن مصادرة الديمقراطية وتغييب الحريات، ومـــــن الحروب الأهلية وزعزعة الأمن والاستقرار الاقتصادي والاجتماعـــــي، وغيرها من المظاهـــــر والسلبيات، التي حولت الســـــودان إلـــــى دولــــــة فقيرة رغـــم ثرواتـــــه الزراعـــية والحيوانية والمعدنيـــــة والنفطية والسياحية الكبيرة·
تمــــر هــــذه السنوات الخمســـــون والســـودان لا يزال يواجــــه تحدي الواجب الأساســـــي للاستقلال، متمثلاً فــــي بناء الدولـــة السودانية المستقلة الحديثة، دولة الحريـــــة والديمقراطية والمؤسسات والحقوق والمواطنة وحكم القانون والعـــــدالة الاجتماعيـــــة· وحيـــــن ينظـــر السودانيون إلـــــى واقعهم الراهن، ويحاولــــون تأمل وجــــرد ما تحقـــــق من هـــــذه الواجبات، تفجعهـــــم صورة وطن حزين لا زالت تتمزقه الحروب والنزاعات الأهلـــــية المسلحة، ولا يـــــزال يتلمـــــس الطريق إلـــــى دولة موحدة مستقرة، ناهيــــــك عن أن يكـــــون دولة ديمقراطية نامية مزدهرة·
وإذا كــــان هذا الطريق لا يزال رهيناً في الوقت الحالي بتنفيذ اتفاقات نيفاشا وماشاكوس التي تم التوقيع عليها العام الماضي بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية لتحرير السودان، فإن في تنفيذ هذه الاتفاقيات -على الأقل- ما يطمئن السودانيين علـــــــى حسن وصدق النوايا، ويفتح كوة جديدة من الأمل في قلوبهـــــم بأن بلادهم قد بدأت السير في الاتجاه الصحيح، ومن ثم يجعل من الاحتفال باليوبيل الذهبـــــــي لاستقلال بلادهــــم وتحررها من النفوذ الأجنبــــي، مناسبة تزيل الغصة من الحلوق، وتستقطـــــب الإرادة الوطنية كلهــا لأجـــــل بناء الســـــودان وتقدمه ورفعتـــــه وازدهـــــاره·
الطاهر بابكر - الخرطوم