قد يبدو واقع الانقسامات الطائفية والقومية في العراق أمراً مؤسفاً مزعجاً للبعض، ولكن معارضي التشكيلات السياسية التي تحاول مسايرتها، متناقضون في تفكيرهم وربما مثاليون· في الوقت الذي يطالبون فيه القيادة العراقية بنبذ المحاصصة وتجاهل الواقع الطائفي للمجتمع، وهذه أمنية جميلة، وحلم قد يتحقق في المستقبل، يصرون كذلك على أن يأخذ كل قرار سياسي وكل تشكيل إداري بالاعتبار ''إرضاء كافة ألوان الطيف العراقي''، والحرص على التوازن، أي أن المطلوب في النهاية والبداية، مراعاة الواقع الطائفي للبلاد والاعتراف به· فكيف يمكن مهاجمة التعددية الطائفية والتشديد على ضرورة مراعاتها في الوقت نفسه؟!
وصفت جريدة ''الواشنطن بوست''، 16-12-،2005 الانتخابات العراقية بأنها ''انتخابات لم يشهد الغرب نفسه مثيلاً لها، من حيث نسبة الإقبال على الاقتراع التي بلغت 11 مليون ناخب، يشكلون 70 في المئة من مجموع الناخبين البالغ عددهم 15 مليون ناخب''· ولكن الانتخابات العراقية يوم 15-12-،2005 بل وحتى إسقاط النظام نفسه قبل ذلك بأعوام في 9-4-،2003 لم ينظر إليه كافة العراقيين والعالم العربي نفس النظرة· وكان تفاعل الأكراد والعرب الشيعة والعرب السنة متفاوتاً والتوقعات متباينة وربما متضاربة، وهذا فيما أرى أمر طبيعي في مجتمع متعدد العناصر، خضع طويلاً لديكتاتورية شرسة· ما جرى في العراق منذ سقوط نظام الطاغية عام 2003 شيء استثنائي في تاريخ البلاد وتاريخ المنطقة· وتكفي في هذا المجال الإشارة إلى اشتراك أكثر من ثلاثمائة حزب وكيان في الانتخابات الأخيرة، تنافس الجميع فيها في حرية لا مثيل لها في مجتمعاتنا·
ويلخص البعض تفاعل الشيعة والسُنة مع تطورات هذه المرحلة، بالقول إن ''الشيعة آلوا إلى غلبة، لكن نتيجة فعل لم يقدموا عليه، نهاية حكم صدام حسين لم تحصل على يديهم بل أنجزتها قوة أجنبية، وهو فعل اقتصر إسهامهم فيه على مباركته سلباً، وعلى عدم الاعتراف به دون المشاركة فيه، وهو ما كان من جانبهم ضرباً من حكمة وبعد نظر، دلّ عليهما أيضاً امتناعهم عن الانجرار إلى نزاع طائفي بذل أبومصعب الزرقاوي وجماعته كل ما في وسعهم إرهاباً وإجراًما، من أجل جرهم إليه·
وأما السُنة، فأقلعوا عن مقاطعة آلت إلى تهميشهم، ورأوا خوض اللعبة السياسية يشاركون فيها، حتى دعا ألف من مشايخهم إلى واجب التصويت· فقد تبين للسُنة أنهم، وإن كفوا عن امتلاك زمام أمور تلك اللعبة السياسية على نحو ناجز لا رجعة فيه، إلا أنهم يمتلكون، في آخر المطاف، ما يشبه ''الفيتو'' عليها، إن أحجموا عن الضلوع فيها أفشلوها''·
كانت انتخابات 15 ديسمبر 2005 عرساً وطنياً عراقياً حقيقياً ملأت الآفاق بالتفاؤل· إلا أن النتائج ''خيبت آمال الليبراليين والعلمانيين'' وأثارت غضب السُنة حتى أنهم اتهموا ''المفوضية'' بتزويرها لمصلحة قائمة وجماعة الائتلاف، بمساعدة إيران· ولا تزال الأزمة تتفاعل، ولكن كل المراقبين يؤكدون أن تزويراً بهذا الحجم الذي تتهم به هذه الانتخابات، أمر مستبعد تماماً مهما كان حجم وصحة المخالفات· ولا يأتي الألم من نتائج هذه الانتخابات ربما بقدر ما يأتي من ضخامة حجم التوقعات لدى الطرف الآخر· وبعض المحللين يؤكد مجموعة من التحولات الديموغرافية والتغير في التركيبة المذهبية من نمو وتقلص في العراق، مثل لبنان ونمو حجم الشيعة في الجنوب والوسط وبيروت· ومثل ما هي التحولات السكانية في العديد من المدن والمناطق في مختلف الدول العربية، تحت تأثير التكاثر والهجرة الداخلية من الريف وتقلص حجم عائلات الطبقة الوسطى واستمرار نمو حجمها في العائلات الفقيرة·
عشية الانتخابات العراقية تنبأ البعض بسلوك الناخب العراقي في مختلف الطوائف والجماعات: ''المنافسة ستنحصر بين أربع كتل رئيسية··· لن يتوقف الناخب كثيراً أمام البرامج الانتخابية ولن تكون معياراً للمفاضلة لديه بل سيهتم بالشخصنة، فالناخب يرى أن هذه المرحلة تتطلب الحفاظ على هويته وتثبيت حقوقها ثم بعد ذلك، وفي مرحلة لاحقة يتم الالتفات والاهتمام بالبرامج وأداء المرشحين''·
كان الواقع العراقي الحالي ونتائج الانتخابات محور النقاش مع السياسي والأكاديمي العراقي د· غسان عطية في لقاء أجراه معه أحد مراكز البحوث الكويتية، حيث قال إن الوضع في العراق بحاجة ماسة إلى مساندة كويتية أو خليجية تعمق الحوار بين مختلف الأطراف كي لا تهيمن المشاعر الانطوائية أو الطائفية عليها· و
فسر التقارب بين مقتدى الصدر وقائمة ''الائتلاف'' بأنها ربما كانت بتأثيرات إيرانية· ولكنه دعا إلى عدم المبالغة في دور إيران بخصوص القضية الطائفية· فالكثير من المؤشرات، تدل على أن إيران تريد عراقاً ضعيفاً إلى جوارها، ولا تريد أن يكون العراق محوراً ومركزاً للتأثير الأميركي في المنطقة ضد إيران· ولكنها، أي إيران، لا تريد كياناً شيعياً في الجنوب لأسباب عديدة من بينها أن مثل هذا الكيان سيكون عالة عليها سياسياً وعسكرياً، كما أن المرجعية الشيعية العراقية ستنافس المرجعية الإيرانية، وقد