على الرغم من قرار مجلس إدارة سوق أبوظبي للأوراق المالية التقدّم إلى هيئة الأوراق المالية والسلع بمقترح تخفيض حصته من عمولات التداول بنسبة الثلث، فإن العمولة التي يدفعها المستثمر عن كل صفقة لا تزال مرتفعة، من أوجه عدة· فهي مرتفعة جدا كقيمة مطلقة، حيث تضاعفت التعاملات اليومية في أسواق الأسهم مرات عدة متجاوزة 550 مليار درهم منذ بداية هذا العام، مقارنة بنحو 67 مليارا العام الماضي، ما يعني مضاعفة القيمة المطلقة لعملة الأسهم سبع مرات تقريبا، باعتبار تخفيض نسبة العمولة من 0,5% خلال الأعوام السابقة إلى 0,35% خلال النصف الثاني من هذا العام· أما كنسبة مئوية، فإن هذه العمولة تظلّ مرتفعة حتى باعتبار قرار مجلس إدارة سوق أبوظبي، الذي يقترح تخفيضها إلى 0,275% عن كل صفقة، حيث لا تزال تفوق كثيرا ما يتقاضاه الوسيط المالي في أبرز أسواق المال العربية والخليجية، والتي تراوح ما بين 0,125% و0,2%، رغم الفارق الكبير بين حجم التعاملات في هذه الأسواق وسوق الأسهم المحلية·
كقيمة مطلقة أو نسبة مئوية تظل عمولة الاتجار في الأسهم الإماراتية، حتى بعد تخفيضها بالقدر المقترح، غير متناسبة مع الخدمات التي يقدّمها أي من السوق أو الوسيط· فالخدمات التي يقدّمها الوسيط لقاء هذه العمولة لا تبرر هذه النسبة، ولا تتعدى مجرد ''نصائح'' تكون في كثير من الحالات إما ترديدا للشائعات، أو ما يفيدها وكبار عملائها، بل إن الاستشارات العلمية والتحاليل المالية التي يقدّمها بعض الوسطاء لم تعد تلبّي احتياجات المستثمرين بشكل جيد، كما لم تعد قادرة على الابتكار والمنافسة والتجاوب السريع مع المتغيّرات، مع التصاعد المستمر لحجم التداولات· ورغم ذلك يظلّ الوسطاء هم الرابحون دوما في سوق الأسهم المحلية، حيث يجنون أرباحهم في أوقات الانهيار، كما في حالات الازدهار، فهم الذين لا يتعرّضون للخسارة أبدا، بل هم الذين يجنون الأرباح في جميع الحالات· فرغم الانهيارات المؤلمة التي انتابت أسواق الأسهم خلال الأيام الماضية، تكبّد خلالها المستثمرون خسائر طائلة، حقق الوسطاء مكاسب قياسية من صفقات تجاوز حجمها خلال يومين فقط نحو 60 مليار درهم· وكل هذه المعطيات وغيرها يبرر دعوات الكثيرين بتحرير نشاط السمسرة والترخيص لشركات السمسرة الأجنبية ذات الكفاءة العالية بالدخول إلى السوق، حيث إن المنافسة كفيلة برفع كفاءة خدمة الوساطة المالية·
أما الطرف الثاني المتمثل في إدارة السوق فالهدف من وجوده هو توفير بيئة مناسبة للاتجار بالأسهم ضمن نظم وقوانين، والعمل على توظيف السوق كأداة استثمارية مهمّة داعمة للاقتصاد الوطني، وحماية المستثمرين وليس تحميلهم مزيدا من الأعباء من خلال نسبة العمولة المرتفعة· لاشك في أن إدارات الأسواق المحلية أنفقت مبالغ كبيرة من أجل تهيئة البنية التحتية لهذه الأسواق، ولكن مع تعاظم نشاط التداول إلى مستويات قياسية وخلال فترة زمنية قصيرة، لم تكن تتوقعها حتى إدارة السوق نفسها، فإن ما تحصل عليه إدارات هذه الأسواق من عمولات تبقى مرتفعة، ولا تتناسب مع الخدمات التي يتلقاها المستثمر، حتى بعد تخفيضها·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae