طغى موضوع الصراع السياسي القائم على أشده بين تنظيم ''فتح'' الحاكم في الضفة الغربية وقطاع غزة وبين حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' على مساحة كبيرة من التناول الإعلامي لملف الانتخابات العامة الفلسطينية المزمع إجراؤها في الشهر القادم، وركز محللون كثر على مخاطر التناقض المتنامي بين التنظيمين وما قد يجر إليه من سيناريوهات فلسطينية داخلية غير محمودة العواقب· إلا أنه باستثناءات قليلة لم تظهر وسائل الإعلام، على اختلافها، اهتماما مناسبا بالصراع الدائر داخل حركة ''فتح'' وانعكاساته على السلطة الوطنية الفلسطينية وأجهزتها المتداعية أصلا·
فخلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية الحالية، تباعدت العلاقة بشدة بين ''فتح'' وجناحها العسكري الذي بات الآن على وشك أن يصبح خارج سيطرة القيادة العليا للحركة، وقد ظهر جيل شاب يعيب على نخب الحركة استمراءها الفساد وإدمان السلطة ومواقع القيادة، وتعمقت مشاعر الحرمان لدى قطاعات فتحاوية هي التي نراها تنتقد استشراء الفساد داخل أجهزة ومؤسسات السلطة على اعتبار أن الأخيرة هي الاسم الآخر لـ''فتح'' ذاتها· بل رأينا القيادة السياسية للحركة تعلن رفضها لعمليات المقاومة التي ينفذها جناحها العسكري ضد إسرائيل، وشاهدنا بشكل متكرر عناصر فتحاوية مسلحة تقتحم مكاتب ''فتح'' أو تختطف بعض رموز فتحاوية أو تغتالها··· كطريقة للاحتجاج على ممارسات السلطة وتنظيمها، وأخيرا تقدمت حركة ''فتح'' بلائحتين للانتخابات التشريعية القادمة، في مؤشر واضح على مرحلة الانفراط التي وصلتها الحركة· وإذا كانت تلك بشكل عام أعراض مألوفة في تاريخ التنظيمات السياسية، خاصة إذا ما اتسع حجم عضويتها وشاخت وشارف عمرها على نصف القرن، وتحولت من مرحلة النضال الثوري وكفاح الخنادق إلى مرحلة الدولة ودبلوماسية الفنادق وما في هذه المرحلة من مغريات ودوافع انحراف··· فلعل حركة ''فتح'' موعودة بمزيد من أعراض التحلل والتفكك الداخلي، خاصة في غياب قائدها التاريخي المؤسس ياسر عرفات وما شهدته من خضات داخلية خلال العام الأول على وفاته!
ولعل افتقار الحركة إلى قيادة تحظى بالتقدير، ومع تفاقم التناقضات الداخلية بين وجوهها الحالية، قد يطوي صفحة مهمة من التاريخ الفلسطيني اسمها ''فتح''، سواء على إيقاع الانزعاج الخارجي من صعود حماس، أو في ظل الطلقات الصامتة التي تتبادلها في هذه الأيام قيادات الحركة!
ماجد نبيل- رام الله