يشكل قرار الحكومة الإسرائيلية الأخير بإقامة منطقة أمنية عازلة شمال قطاع غزة تحت ذريعة حماية المستوطنات القريبة من القطاع من صواريخ المقاومة الفلسطينية تطورا خطيرا يعيد إلى الواجهة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، خصوصا غزة التي اعتقد الجميع أنها تخلصت من نير الاحتلال وباتت تنعم بنسائم الحرية وأجوائها· إن مثل هذا القرار يفرغ مقولة تحرير غزة من مضمونها وينسف مفهوم الانسحاب بأكمله· فبعد مناقشات طويلة وشاقة دارت بين الجانب الفلسطيني ونظيره الإسرائيلي حول السيطرة على المعابر الحدودية، وبعد أجواء محتقنة من الشد والجذب حول الموضوع لم يحل إلا بعد تدخل وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس، ها هي الحكومة الإسرائيلية تضع العراقيل مجددا على طريق السلام وتحاول خطف الفرحة من وجوه الفلسطينيين الذين استبشروا خيرا بتحرير غزة واعتبروها أول المشوار للانعتاق النهائي من نير الاحتلال الإسرائيلي وتخليص الضفة الغربية من براثنه· ولم يكن قرار إقامة المنطقة الأمنية العازلة الوحيد الذي ميز الأيام القليلة الماضية، بل شهدنا أيضا ذلك التدخل الوقح في الشؤون الفلسطينية بإعلان إسرائيل معارضتها لمشاركة حركة حماس في الانتخابات التشريعية المقبلة، فضلا عن منعها مشاركة الفلسطينيين من سكان القدس في التصويت·
ولاشك أن مثل هذه التصرفات تقوض السلام وتبعث اليأس في نفوس الفلسطينيين الذين لم يعد لديهم ما يخسرونه بعدما جربوا كل شيء· ومع الأسف كانت الحصيلة هزيلة جدا فلا طريق السلام نجحت في إخراج الدولة الفلسطينية إلى الوجود، ولا الهدنة الموقعة مع إسرائيل حمتهم من بطش الآلة العسكرية الغاشمة للاحتلال· وها هو القرار الأخير يدق إسفينا في نعش الدولة الفلسطينية إذا ما نفذت الدولة العبرية خطوتها بإقامة المنطقة العازلة شمال غزة· إن إسرائيل لا تترك أمام الفلسطينيين سوى قلب الطاولة على المحتل بعدما طفح الكيل وفشلت جميع المبادرات الدولية والعربية في إقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة·
محمود جميل- غزة