بالرغم من مرور خمس وعشرين سنة على إنشاء مجلس التعاون إلا أن آليات عمله لا تزال تراوح مكانها وتبقى عصيّةً على التجديد والتقوية والتلاؤم مع تبدُّل الأحوال الكبيرة· لا تزال آليات الأمانة العامة للمجلس تتمثل في مجموعة من الأقسام الإدارية والفنيّة المتواضعة وفي مجالس ولجان تجتمع للمناقشة ورفع التوصيات وفي غياب كامل لإرادة وإبداعات مؤسسات المجتمع المدني في دول المجلس· وهذا ينعكس على قلّة الفعل وضعف التنفيذ والمتابعة وبطء الحركة· وبالرغم من أنّ بعضاً من قادة المجلس قد طرحوا مراراً موضوع الآليات إلا أن تغيراً حقيقياً جذرياً لم يحدث· دعنا نأخذ بعضاً من المسائل التي لا تزال دول المجلس ترفض مواجهتها وعمل أي شيء بشأن حلها·
أولاً: إن عدم إشراك رؤساء الوزارات في آلية المجلس شيء محيّر· إن مؤتمرات القمة مثقلة جداً بعدد المواضيع التي تقدّم إليها وهي بحاجة أيضاً إلى مجلس تنفيذي ينفّذ ويتابع قراراتها بسلطة ووزن معتبر· ولا يمكن للمجلس الوزاري الذي يضم وزراء الخارجية أن يقوم بذلك كما يطلب منه الآن· فسلطة وزارات الخارجية على الوزارات الأخرى محدودة في كثير من الأحوال ووزارات الخارجية مثقلة بهموم خارجية لا حصر لها· ويستطيع مجلس رؤساء الوزارات هذا أن يعمل ويتابع من خلال وزارات مختصّة بشؤون مجلس التعاون ومتفرّغة لأعماله كما سنفصّل·
ثانيا: لا يستطيع الإنسان أن يفهم سبب عدم قيام حكومات مجلس التعاون، بعد مرور ربع قرن على تأسيسه، بإنشاء وزارات تعنى بشؤون مجلس التعاون التي تنوعت وازدادت وتعقّدت عبر السنين· إن ترك تلك المهمة لقسم أو دائرة في وزارات الخارجية هو أحد أسباب عدم فاعلية المجلس· إن أغلب هموم ومسؤوليات مجلس التعاون ليست خارجية وإنما هي داخلية حتى النخاع· ثم إن اجتماعات المجالس واللجان في الأمانة العامة أصبحت كثيرة وبالغة التنوع بحيث أصبح أمر متابعتها بعمق وتنسيق تنفيذها من قبل العديد من الجهات المعنية في كل دولة يحتاج إلى تواجد دائم لوزير ومساعدين له في مقرّ الأمانة لإضفاء تعامل شمولي وتكاملي مع قرارات المجلس من جهة ولمتابعة تنفيذ تلك القرارات بشكل صارم وأمين وسريع في كل بلد من جهة أخرى·
ثالثاً: لا تستطيع حكومات مجلس التعاون أن تعزل ما يدور في مجتمعاتها عمّا يدور في لجان ومجالس المجلس· ومجتمعات دول المجلس، كما يعرف الجميع، تموج الآن بتحركات ونشاطات ومطالب من المجتمع المدني لم يسبق لها مثيل· قبل خمس وعشرين سنة كانت السلطة السياسية تمثل الدولة والمجتمع· أما اليوم فان المجتمع يصر على أن يمثل نفسه من خلال ممثلين يختارهم ويحاسبهم ويستبدلهم كلما أراد· وعليه فإن تكوين الهيئة الاستشارية في مجلس التعاون لم يعد كافياً لتمثيل صوت الناس ومؤسساتهم المدنية· ولما كانت كل دولة قد قامت بتأسيس مجالسها الوطنية الاستشارية أو المنتخبة في بعض منها، فان المنطق يقضي بوجود مجلس برلماني خليجي· ومن الممكن كحلٍّ وسط أن يتكون المجلس في سنواته الأربع الأولى من أعضاء نصفهم معينون من قبل الحكومات أو المجالس التشريعية المحلية ونصفهم الآخر ينتخبهم مواطنو دول المجلس انتخاباً مباشراً·
(تلك بعض من الخطوات السياسية- الإدارية التي يمكن أن تساهم في إخراج آليات مجلس التعاون من التفرُّج إلى الفعل· لكن هناك جوانب مالية وقضائية ومؤسسية مشتركة تحتاج إلى طرح في مقال آخر)·