الاعتذار وليس التمجيد
في مقاله المنشور على هذه الصفحات ''الفرنسيون··· وإعادة كتابة التاريخ'' (أمس الثلاثاء 27 ديسمبر 2005) تناول حلمي شعراوي موضوعا حساسا يتعلق بدور باريس في مستعمراتها السابقة، لا سيما في بلدان شمال إفريقيا· أثار الكاتب موضوعه على خلفية القرار الذي صادق عليه البرلمان الفرنسي ويقر بالدور الإيجابي للاستعمار الفرنسي في دول مثل الجزائر والمغرب والهند الصينية وغيرها من البلدان التي ابتليت بالاستعمار في مراحل من تاريخها· وفي نظري ليس ذلك غريبا على فرنسا التي عودتنا على الافتخار بثقافتها إلى درجة محاولة فرض لغتها على الشعوب الأخرى من خلال دعم البرامج الثقافية التي تجعل من الفرنسية لغة التخاطب· وقد عانت شعوب المغرب العربي مــن المحاولات الفرنسية لطمس هويتهـــا وإلغاء خصوصيتها اللغوية تحــت مسميات عـــدة؛ تارة تتمسح بالرســالة التحضيرية للاستعمار الفرنســـي، وتارة بفرض الحماية علـــى الرعايـــا الأجانــب··· وهــي الذرائع التي لجــأت إليهــا فرنسا لتبرير استعمارهــا·
تريد فرنسا أن ترى فقط ما تحبه من الاستعمار وهو بناء المدارس وشق الطرق وإدخال نظم جديدة في الإدارة، وهي أمور لا نستطيع إنكارها، لكنها في المقابل قامت بنهب ثروات الشعوب وخيراتها وأخضعتها لضروب من العنف والتقتيل، إذ مازالت الثورة الجزائرية شاهدة على الفظاعات التي ارتكبت في حق شعب كان يتوق إلى الحرية· لذا كان حريا بفرنسا أن تشير إلى الأخطاء والتجاوزات التي ارتكبت، خصوصا وأنها لم تقتصر على فترة الاستعمار، بل تعدتها إلى ما بعده حيث تدخلت على نحو سافر في شؤون الشعوب، ودعمت أنظمة حكم فاسدة· ولئن كنا نحترم الثقافة الفرنسية، بما قدمته للعالم والإنسانية من فكر مستنير ساهم في تطوير الفكر الإنساني عموما، فإننا لا نقبل أن تقصى معاناة الشعوب وما قاسته من ويلات تحت نير الاستعمار· وإذا أرادت أن تكون منصفة، فعليها أن تقرن تمجيدها للاستعمار بالاعتذار للشعوب المستعمرة ومحاولة تعويضها·
خميس نوار- تونس