''حالات الاكتئاب وأعراض القلق النفسي تهدّد الصحة النفسية لطلاب مدارسنا··· و''الشذوذ الجنسي'' بين الطالبات يتفشى في سكن الجامعات····''، هذه العبارات هي وصفة مثالية لجذب القرّاء وتنشيط المبيعات، ولكن قد يبدو البحث في ''المضاعفات الجانبية'' لهكذا موضوعات مطلبا للكثيرين لا سيّما أن الساحة مفتوحة للنقاش وتحت شعار الشفافية تفتح بوابات العبور إلى المطابع لكل المعالجات، ولا نقول الموضوعات، لأن الأساس هنا ليس في الموضوع، ولكن في زاوية المعالجة وهل انطلقت من موضوعية تبحث عن رؤية تضع الأمور في نصابها، أم انطلقت من التركيز على عناوين برّاقة تخطف عيون القرّاء وتفتح جيوبهم وتسيل لعاب المعلنين وتستقطب أرصدتهم؟!
من الأبجديات التي يتعلمها دارسو الإعلام أن كل الموضوعات قابلة للنقاش والطرح، ولكن تبقى زاوية المعالجة هي الفيصل المحدّد والعامل الحاسم في تقدير القيمة النوعية للمعالجة الفنية لأي موضوع، وأيضا لتحديد إمكانية تناوله أكثر من مرة وتفادي التكرار والاستنساخ أو إعادة إنتاج الأفكار وغير ذلك من ممارسات تعرّض الوسيلة الإعلامية للنقد والتراجع في عيون جمهورها· ولو سلّمنا بهذا الكلام، يصبح من البديهي القول بأن الشفافية تقتضي عدم تجاوز أي موضوع يبدو مثار اهتمام جماهيري سواء لأن التعتيم يسهم بالتبعية في إذكاء أجواء الشائعات، أو لأن ثورة الاتصالات والمعلومات ومنطق القرية الكونية يتعارض تماما مع أي محاولة للتعتيم الإعلامي على أي أخبار، بل إن أي محاولة في هذا الاتجاه محكوم عليها بالفشل مسبقا في مجتمع يقع في بؤرة الاهتمام والتركيز الإعلامي سواء بسبب ما يشهده من قفزات تنموية متوالية، أو بسبب كونه نقطة تمركز للإعلام الدولي كما هو الحال في دولة الإمارات على سبيل المثال·
ما نريد تأكيده أننا ندعم الشفافية الإعلامية، بل كنا -وما زلنا- دوما في صدارة المدافعين عنها والمطالبين بها، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة غضّ البصر عمّا يشوب بعض الممارسات الإعلامية من سلبيات، فنحن نؤيد التعامل مع أي مشكلة، ولكن وفقا لحجمها الطبيعي وتفادي إثارة القلق المجتمعي· ولعلّ تناول بعض الصحف المحلية الصادرة باللغة الإنجليزية لقضايا مجتمعية شائكة مثل ''الشذوذ الجنسي'' بين طالبات الجامعة خير برهان على ما يقتضيه الأمر من ضرورة مراعاة للقيم السائدة من دون الإخلال بحق النشر والمكاشفة، فهذه الممارسات قد تكون موجودة ولكنها بالتأكيد ليست ''متفشية'' إلى المستوى الذي تصور به والحجم الذي توضع فيه·
ندرك أن ''الخطوط الحمر'' لغة من الماضي وأنه مهما ضعفت درجات اللون يبقى ''الأحمر'' تغريدا خارج سرب الشفافية الإعلامية المنشودة، وندرك كذلك أن من أصعب الأمور في الإعلام المشي بين الخطوط أو بالأصح الأشواك، ولكن عندما يصبح تشويه صورة مجتمع جرّاء المبالغة هو عائد الشفافية، هنا ربما يصبح المقابل مبالغا به، فالجميع يدرك أنه لا إعلام موضوعيا بصفة مطلقة ولا إعلام لوجه الله كما يقولون، ولذا فإن المخرج الوحيد من هكذا جدليات معقدة يكمن في تقديم الحقيقة في حجمها الحقيقي، فلسنا مجتمعاً ملائكياً ولكننا بالمقابل لسنا مجتمعاً مشوهاً أخلاقياً·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae