كان انتخاب برلمان جديد بموجب دستور جديد ودائم إنجازاً دالاً على أن الشعب العراقي نجح مرة أخرى في مواجهة العنف الإرهابي والترويع السياسي وإظهار رغبته في مستقبل سياسي أفضل· وبصرف النظر عما سيسفر عنه هذا الإجراء فإن الأمر شبه المؤكد هو أن الولايات المتحدة ستبدأ عقب تلك الانتخابات في سحب قواتها من العراق في عام ·2006 غير أن ذلك لا يعني أن الوقت قد حان لفك الارتباط مع العراق، بل إن العكس تماما هو الصحيح إذ المطلوب هو تحقيق نوع من الارتباط أوسع نطاقا وأكثر تنوعا مع المجتمع العراقي لمساعدة العراقيين على تطوير المؤسسات والممارسات والقيم الضرورية لتحقيق ديمقراطية حقيقية ومستمرة·
لقد أكد الرئيس بوش أن نقل دولة من الديكتاتورية إلى الديمقراطية يمثل تحدياً كبيراً للأجيال· ولذلك فإن استراتيجيتنا في العراق يجب أن تكون على مستوى هذا التحدي، خصوصا وأن حاجة العراق للمؤسسات المدنية مثل مؤسسات الإعلام والجامعات والجمعيات المتخصصة والمنظمات غير الحكومية كبيرة وعاجلة في آن معاً· لقد كان الجهد الأميركي المبذول في هذا الصدد غير كافٍ، لا سيما في مسألة ذات أهمية قصوى مثل التعليم العالي· ففي دولة مثل العراق تلعب الجامعات دوراً محورياً في صياغة الرأي العام وتقديم قادة المستقبل·
بيد أن المشكلة التي يعاني منها قطاع التعليم العالي العراقي الآن هو أنه بعد سنوات من الحصار، والمقاطعة، والحرب، والإهمال، وهجرة العقل، لم تعد المؤسسات التعليمية العراقية قادرة على تخريج العدد الكافي من الأساتذة والمدرسين اللازمين لتعليم أبناء الجيل التالي· ويقدر الخبراء أن قطاع التعليم العالي العراقي في حاجة إلى استثمار مليارات الدولارات للوفاء بالمعايير الإقليمية المطبقة في دولة مثل قطر على سبيل المثال· وعلى الرغم من أهمية التركيز على قطاع الشباب والأهمية الاستراتيجية لقطاع التعليم، فإن المساهمة الأميركية في تطويره كانت شحيحة للغاية ولم تزد عن قيام إحدى المؤسسات الأميركية بتخصيص 20 مليون دولار فقط لبناء شراكة مع الجامعات العراقية· وعلى الرغم من أن السفارة الأميركية هناك قد دعمت إنشاء جامعة أميركية في مدينة السليمانية، فإن الدعم المستقبلي لهذا المشروع لا يزال غير مؤكد· علاوة على ذلك نجد أن وزارة الخارجية خصصت ضمن ما يعرف بمنح ''فولبرايت'' 30 منحة سنوياً فقط للطلاب العراقيين وتتركز في معظمها على الإنسانيات والعلوم الاجتماعية·
والسؤال هنا·· ما هو الأفضل بالنسبة للعراق: هل هو الحصول على طائرة نفاثة جديدة أم الحصول على 250 منحة دراسية سنوياً في الولايات المتحدة؟ (التكلفة متساوية تقريباً)· بمقدورنا كذلك أن نوسع نطاق الجهود التي نقوم بها للتواصل مع الصفوة العراقية في مختلف مناطق العراق مع العمل على زيادة ربط العراقيين بالعالم الخارجي عن طريق وسائل الاتصال الحديثة وشبكة الإنترنت مع التركيز على تدريب الصحفيين والمحررين والناشرين من خلال البرامج المخصصة لذلك والعمل على دعم المؤسسات الأميركية التي تقوم بمساعدة العراقيين على بناء مؤسساتهم المدنية· بيد أن الحكومة الأميركية يجب ألا تحمل عبء القيام بذلك وحدها· فالأميركيون من مختلف القطاعات يمكن أن يتقدموا ويعرضوا مساهمتهم· ويجب على المزيد من المؤسسات أن تحذو حذو ''مركز حل الصراعات الدولية'' التابع لجامعة كولومبيا الذي يعمل مع القادة المدنيين في مناطق العراق التي تحظى بهدوء نسبي· ويجب في هذا السياق أيضا أن تقوم الاتحادات التجارية، والجمعيات المتخصصة، والمؤسسات التعليمية، والصحفيون والطلاب، وناشطو الحقوق الإنسانية والعلماء ومديرو العموم في المشروعات التجارية بإقامة علاقات مع نظرائهم العراقيين· إن استراتيجية تؤكد على بناء المجتمع المدني العراقي يمكن أن تمهد الطريق لتعاون الحزبين الرئيسين في ذلك الأمر، وأن تمهد الطريق أيضا للمزيد من المشاركة الدولية· والأمر المؤكد أن الولايات المتحدة ما لم تقم بتحمل العبء الأكبر في هذا السياق فإن أحدا لن يتقدم لحمله· لقد دفع بعض الشركاء بالفعل ثمنا باهظا لانخراطهم في الشأن العراقي· فحلف ''الناتو'' على سبيل المثال تعرض لاستنزاف فعلي في أفغانستان، كما أن ألمانيا وفرنسا وغيرهما من الدول تواجه تحديات داخلية بسبب هذه المشاركة·
وعلى الرغم من أن ذلك قد يبدو غريباً بل مثالياً للبعض، فإننا يجب أن نبدأ في تركيز جهودنا على تحسين حياة العراق المدنية على مستوى القواعد الشعبية، إلا أن الحقيقة هي أن هذه تحديدا هي الاستجابة الواقعية لما نواجهه نحن والحلفاء العراقيون كما أنها ضمانة لعدم حدوث انتكاسات محتملة· مما لاشك فيه أن هؤلاء الذين سيتولون المناصب في ظل الدستور الجديد سيسعون إلى خدمة مصالحهم ومصالح أحزابهم من خلال وسائل قد تبدو وحشية في بعض الأحيان ولذلك أقول إنه يجب ألا تراودنا أية أوهام بشأن الاحتمالات المظلمة للعهد القادم قياساً على ما شاهدناه من قبل حيث سيحاول بعض الزعماء أن يجعلوا سلطتهم دائمة· وفي الوقت الذي نعم