لا زلت أذكر نقاشا دار بيني وبين اثنين من الأصدقاء أحدهما يعمل مراسلاً لوكالة أنباء الإمارات ''وام'' والآخر صحفي في إحدى الصحف المحلية حول طبيعة المهنة التي يعملها كل منهما، وتركز الحديث بيننا حول مفهوم ''مندوب الأخبار'' وحول التراتبية الوظيفية في المجال الإعلامي خاصة في وظيفة الصحفي الذي يأتي بالأخبار· واستطعت أن أستخلص من الحوار -المطول نسبيا- أن مندوب الأخبار هو أقل درجات الوظيفة الصحفية وأن من يكلفون بهذه المهمة هم في العادة من حديثي التعيين وأنه بمجرد قضاء فترة زمنية بسيطة في هذا المجال ينتقل بعدها إلى العمل داخل المؤسسة، أي أن وظيفة مندوب الأخبار عندنا هي وظيفة متدنية، وربما هذا أحد أسباب فشل إعلامنا في عرض قضايانا بشكل دقيق·
أسوق هذه القصة بعد أن قادتني الصدفة -وحدها- لأن يسقط بين يدي خبر نشرته إحدى الصحف العربية المعروفة ونسبته لمراسلها في الإمارات في حين أن الخبر بالنص والفكرة نفسها كان قد سبقت إلى بثه ضمن تقرير مطول وكالة أنباء دولية معروفة أيضا نقلاً عن مراسلها في دبي قبل أيام قلائل من نشر الخبر في الصحيفة· وبقراءة النصين وجدت أن ما نشر في الصحيفة هو عبارة عن إعادة تدوير الفكرة أو إعادة إنتاجها بنفس الأشخاص والأبطال مع الاكتفاء بإعادة ترتيب الفقرات· والغريب في الموضوع أن النشر قد جاء بعد وقت قصير -أيام فقط- من انتهاء فعاليات مؤتمر الإعلام العربي والعالمي الذي استضافه نادي دبي للصحافة والذي مثل مادة دسمة للعديد من قادة الرأي العربي للحديث عن مستقبل الإعلام العربي·
وإذا كان يفهم مما سبق من كلامي أن وظيفة مندوب الأخبار هي أسهل مهنة وأبسطها وأنه من الممكن لأي كان أن يقوم بها، وأن الواقع العملي الذي نراه من خلال التغطيات التي تحدث ينطبق عليه هذا المفهوم حيث أن مندوب الأخبار لا يختلف كثيراً في مفهومنا عن مندوب العلاقات العامة حيث يأتي إلى المؤتمرات الصحافية ليستلم الأخبار من المكاتب إلى الصحيفة التي يعمل بها لنشرها فيها ودون أن يلزم نفسه بتغطية الحدث أو ابتداع فكرة أو صناعة قصة خبرية كما يحدث في وسائل الإعلام الغربية، عندما تبعث بصحافيين كبار كي يسجلوا الوقائع والأخبار ويتولوا التغطية الإعلامية في قلب الحدث في الوقت الذي نحن نصنف فيه هكذا مهمة بأنها مهمة لا تليق إلا بصحافيين صغار!
الصحفي المميز هو الذي يأتي بالأخبار التي لم يأتِ غيره بها· ولعل ما سبق عرضه في المقارنة بين مراسل الصحيفة العربية وبين مراسل الوكالة الدولية هو أن مراسل الصحيفة استسهل عملية ''اقتباس'' الخبر من الوكالة وأعاد صياغته مع ''تقليب'' المعلومات التي بها وخرج بخبر اعتبره ''خاصا'' به، وهذا الأمر لا يقتصر على هذه الواقعة فقط· يعتقد الكثيرون أن الصحافة العربية عموما حتى تلك التي تصدر في الخارج محكومة في إيقاعها اليومي بالإيقاع الإعلامي الغربي أو وكالات الأنباء العالمية فما تنقله الوسائل الإعلامية الغربية تقوم وسائل الإعلام العربية بنقله، نفس الحدث مع تعريبه فقط وإذا اتفقنا على أن هناك بعض العثرات مثل هامش الحرية الإعلامية فإن هذا ليس مبرراً لأن لا ينزل الصحفي العربي إلى الشارع لتقديم قصص خبرية بدلاً من أخذها من الوكالات·
كنت أتمنى-وأنا أتابع ما يكتب في الصحف المحلية عن مؤتمر الإعلام العربي- التركيز على تدريب الصحفيين العرب والاهتمام بكيفية صناعة الخبر قبل الحديث عن الحرية الإعلامية على الأقل بالتوازي معها· صحيح أننا نحتاج إلى الحرية للتطوير والإصلاح ولكننا أيضا نحتاج إلى إعلام منافس قادر على صناعة الخبر الجيد والمشوق· وهذا بالطبع بحاجة إلى تهيئة آليات وقدرات صحافية تتعامل بوعي وعلى أسس مهنية·