سقوط القيم الغربية
في مقاله المنشور بصفحات وجهات نظر يوم الاثنين الموافق 26 ديسمبر الجاري تحت عنوان ''التعذيب تاريخا وواقعا'' قدم الأستاذ عبدالله بن بجاد العتيبي عرضا تاريخيا موجزا للتعذيب، وأرجع هذه الممارسة إلى حقيقة أن الإنسان لم ينس يوما توحشه، كما أن غرائزه لم تكف عن ملاحقته يوما آناء الليل وأطراف النهار وهو ما أوافقه عليه تماما· والموضوع في الحقيقة من الموضوعات المطروحة بقوة هذه الأيام، بل إننا نرى أن هناك قوى جديدة قد دخلت إلى قوائم المُعذبِين· فقد كنا نظن حتى فترة قريبة أن هذه الظاهرة تتجلى في هذه المنطقة أكثر من تجليها في الغرب على أساس أنها تقترن في الأساس بالتخلف والاستبداد وانسداد آفاق التعبير· كان هذا إيماننا قبل أن تتكشف فضيحة سجن أبو غريب، وقبل أن تتكشف الوقائع المروعة للتعذيب والإذلال في سجن جوانتانامو، وقبل أن تتكشف المعلومات الخاصة بنقل السجناء من سجون أميركا إلى دول أخرى لها باع طويل في التعذيب لانتزاع الاعترافات ممن يشتبه في علاقتهم بالإرهاب· كل ذلك أصابنا بالإحباط الشديد حيث كنا نظن أنه مع التحولات الديمقراطية التي تحدث في المنطقة، ومع زيادة دور جماعات الدفاع عن حقوق الإنسان، وتنامي حرية الصحافة، وفعالية منظمات المجتمع المدني، سوف تختفي هذه الممارسة تدريجيا، ولكننا فوجئنا بأن الدولة التي كانت تدعي أنها أكبر دولة ديمقراطية في العالم تلجأ إلى تلك الممارسة بل ويصرح بعض مسؤوليها بأن التعذيب قد يكون وسيلة مناسبة لانتزاع الاعترافات في بعض الحالات وخصوصا إذا ما كانت هذه الاعترافات والمعلومات التي سيدلي بها السجناء، سوف تؤدي إلى إنقاذ حياة آلاف الأرواح· وكلها في رأينا مبررات واهية لا تختلف عن المبررات التي اعتدنا سماعها من أنظمة الاستبداد والطغيان في المنطقة، وهو ما يؤكد لنا أن الإنسان لم يصل إلى ذرى الرقي والحضارة كما كان يعتقد، وأن غرائزه الوحشية تطفو على السطح عندما تجد الفرصة سانحة أمامها، يستوي في ذلك الإنسان في الدول المتخلفة والدول المتقدمة فكلها في التعذيب سواء وإن اختلفت الدرجة·
عبد الرحمن حنفي- القاهرة