ديمقراطية تخفي الوهم
ربما لامس الدكتور عبد الوهاب المسيري جانبا أساسيا من الحقيقة في مقاله ''ديمقراطية حسب الطلب!''، الذي نشر على هذه الصفحات يوم السبت 24 ديسمبر الجاري· فالقول إن الدعوة الأميركية إلى إقامة النظام الديمقراطي في العالم تخفي نزعة إلى الهيمنة وروحا تسلطية كبرى غير خافيتين، وهكذا جاءت الدعوة الأميركية الأخيرة، قبل أن يعيد الاتحاد الأوروبي ترديدها، لتعترض على مشاركة حركة المقاومة الإسلامية ''حماس'' في الانتخابات الفلسطينية القادمة، لتعري مرة أخرى زيف شعار الديمقراطية الذي طالما تذرعت به واشنطن، ومعها عواصم أوروبية أخرى، لتسويغ سياسات إمبريالية سافرة! فطوال السنوات الثلاث الأخيرة تعرضت السلطة الوطنية الفلسطينية لضغوط هائلة من جانب الغرب، مبررها المعلن تنظيم انتخابات تعددية وإقامة مؤسسات حكم ديمقراطي، أما أهدافها غير المعلنة فيأتي على رأسها إضعاف المفاوض الفلسطيني وتشتيت ذهنه من خلال مطالبات وشروط إضافية وجانبية، فضلا عن السعي إلى إشعال الساحة الداخلية الفلسطينية بالصراع الانتخابي وأجوائه بعيدا عن أهداف المقاومة والتحرير! ولكن ما أن أظهرت السلطة جديتها في السير نحو إجراء الانتخابات، وأن الأجواء الجديدة لم تنل من لحمة الترابط الفلسطيني الداخلي، بل قد تعزز المقاومة وتمدها بدينامية نشطة··· حتى جاء التلكؤ من طرف الغرب وحليفته الرئيسية إسرائيل! هنا دقت ساعة الحقيقة وانكشف الغطاء عن التصور الأميركي- الأوروبي للديمقراطية والذي يضع شروطا مسبقة على نتائجها، أي أنها لا تكون مقبولة بالنسبة له إلا إذا كانت ستأتي بمن يريدهم أو من لديهم الاستعداد بمقايضة المصالح العامة بمصالحهم الشخصية الخاصة، بل إن الأمر تجاوز ذلك إلى التبجح بتقديم (المعونات) إلى الشعب الفلسطيني مقابل رفض الانتخابات التي لا يمكن أن تتم من دون ''حماس''· يقول الدكتور المسيري: ''ربط المعونات الأميركية والأوروبية بتلبية مطالب سياسية محددة تتخفى وراء ديباجات ديمقراطية، يجرد هذه المعونات من أية ''ادعاءات'' إنسانية ويحيلها إلى أداة للضغط والتهديد والإملاء''· ولعل في ذلك، كما يؤكد الكاتب، ما ''يبدد بعض الأوهام التي مازال البعض يتمسك بها عن نموذج الديمقراطية الغربية وعن البراءة الكامنة وراء التبشير الأميركي والأوروبي بالديمقراطية''· أليس ذلك دليلا كافياً على حجم النفاق والاستخفاف اللذين يتعامل بهما الغرب مع المسألة الديمقراطية في عالمنا العربي؟!
ناصر توفيق- الشارقة