لا يجوز لأحد التلاعب بموعد الانتخابات الفلسطينية، أو تأجيلها، أو إلغاؤها، أو تحديد شروط المشاركة فيها، أو الاعتراض تحديدا على مشاركة ''''حماس'''' فيها· أول من يجب أن يطبق فمه ولا ينبس بكلمة هو الإدارة الأميركية التي ملأت الدنيا صراخاً حول دمقرطة الشرق الأوسط، والآن تتخبط في تصريحاتها بسبب ما تتوقعه من فوز لـ''حماس'' في الانتخابات· ثاني من يجب أن يلفهم الخرس هو إسرائيل، فهي الأخرى لا يحق لها أن تتدخل في مسار السياسة الفلسطينية أو تحديد أي الأطراف يمكن أن يشارك فيها وبأية كيفية·
التذرع بمسألة ''الإرهاب'' أو اشتراط نزع سلاح ''حماس'' سواء من قبل واشنطن أو تل أبيب وذلك لقبول مشاركتها في الانتخابات أو حتى في تشكيل حكومة فلسطينية قادمة هو مسوغ فارغ ولا يحق لأي طرف طرحه أو اشتراطه على الفلسطينيين· إسرائيل وأميركا فاقدتان لأي موقع أخلاقي يخولهما طرح هذا المسوغ· نزع السلاح وإيقاف المقاومة يأتي في نطاق اتفاقات أشمل لها علاقة بالحل النهائي، وليس بالحلول الجزئية التي تفصل بحسب المقاس الإسرائيلي ولا تقود إلا لضمان تفوق الخصم الإسرائيلي· فلسطينياً، لا يحق للرئيس الفلسطيني، ولا لحركة ''فتح''، ولا لأي طرف فلسطيني تأجيل الانتخابات مرة أخرى بعد أن كانت قد تأجلت في السابق· كل الأعذار والمسوغات هشة ومكشوفة، سواء الحديث عن إشكالية مشاركة المقدسيين في الانتخابات، أو تشتت ''فتح''، أو عدم الاستعداد الإداري، أو سوى ذلك· الوضع الفلسطيني على مستوى الشرعية الوطنية العامة مهترئ ويحتاج إلى تجديد سريع· وأي إبطاء في هذه العملية سيزيد من الاهتراء العام الذي قد يقود إلى كوارث حقيقية ليس فقط على صعيد الحقوق التي يزداد انتهاكها من قبل إسرائيل كل يوم، بل وعلى صعيد التذري الفلسطيني الداخلي الذي قد يتخذ مسارات خلاف دموية وحرب داخلية حقيقية·
وفلسطينياً أيضا يحتاج الفلسطينيون إلى وضع قيادي جديد لا يستثني القوى الفاعلة على الساحة بما فيها ''حماس''· واندراج ''حماس'' في الشرعية الفلسطينية الرسمية عن طريق الانتخابات الحرة هو وحده الذي يُساهم في خلق قيادة وطنية ممثلة بالفعل للشعب الفلسطيني· ولا يستطيع أحد أن ينكر على ''حماس''، مهما اختلف مع برنامجها السياسي وشعاراتها، حقها الديمقراطي في أن تكون ممثلة في القيادة الفلسطينية وفي صوغ المسار السياسي الفلسطيني بشكل يتناسب مع ثقلها وحجمها· إذا كان خيار الشعب الفلسطيني أن يعطي صوته لـ''حماس'' فلا أحد يملك حق الاعتراض·
الشرعية الفلسطينية التي تجذر القسم الأكبر منها حول الرئيس الراحل ياسر عرفات، وبسببه صمدت رغم الإنهاك والتهديد الذي تعرضت له جراء ''أوسلو''، لم تعد تقوى على احتمال تحولات ما بعد أوسلو· وهي تحولات تتضمن انسداد الأفق السياسي والعسكري، واستمرار التعنت الإسرائيلي وتغوُّل وحشيته، وتبدلات توازن القوى في الساحة الفلسطينية إن لجهة تشتت قوة فتح أو لجهة استمرار تصاعد قوة ''حماس'' في أوساط الفلسطينيين· هذه الشرعية تحتاج إلى إعادة صياغة كلية والانتخابات القادمة ربما كانت الفرصة الأخيرة لالتقاط الوضع الفلسطيني المتدهور قبل أن ينحدر إلى نقطة اللاعودة· لذلك فإن اللعب بهذه الانتخابات وتحت أي مسوغ هو تلاعب خطير بالحاضر وبالمسار الفلسطيني، وسوف يفاقم من السوء الذي تعاني منه الساحة الفلسطينية·
الفوز المتوقع لـ''حماس'' في الانتخابات التشريعية لا يخلو من مخاطر وإحداث ارتباكات فلسطينياً وإقليمياً، لكن مخاطر قطع الطريق عليها بتأجيل أو إلغاء الانتخابات ستجلب بالتأكيد مخاطر أكثر· وسيدفع الفلسطينيون ثمنا ليس قليلاً على مستوى صورتهم على المستوى الدولي والعلاقات العامة بوجود ''حماس'' في مقدمة الصورة، لكن ربما سيكسبون صياغة أكثر متانة وأدق تعبيراً لمعادلتهم الوطنية، وتوحيداً للتسيس والمقاومة في برنامجهم السياسي· فخلال السنوات العشر الماضية على أقل تقدير كان برنامج المفاوضات الذي تبنته السلطة الفلسطينية وبرنامج المقاومة الذي تبنته ''حماس'' يتصادمان ضد بعضهما بعضاً، وأحيانا لا ينتجان إلا حطاماً يتقدم على أنقاضه برنامج التوسع الإسرائيلي· الآن وربما للمرة الأولى في تاريخ التسيس الفلسطيني خلال العشرين سنة الماضية ستتاح فرصة لأن يندمج برنامج المقاومة مع برنامج المفاوضات·
ستضطر ''حماس'' لأن تبلور تسيساً أوضح وذا أهداف سياسية قصيرة ومتوسطة الأمد· وستضطر تيارات فتح والسلطة وغيرها إلى إعادة تأهيل ذاتها وتفعيل ليس فقط هياكلها الرسمية والتنظيمية بل وأيضا تصوراتها السياسية· لن يضطر الفلسطينيون لتقديم تنازلات مجانية عندما تكون ''حماس'' في قلب عملية صنع القرار الفلسطيني· ولن يضطر التسيس الفلسطيني الرسمي العام لأن يصطدم بجدار الفشل والشلل جراء عدم قدرته على إقناع ''حماس'' واحتواء رؤيتها وانفرادها أحياناً بتوقيت المقاومة، وهدفها، وجغرافية القيام بها· البرنامج الموحد للفلسطينيين، فتحاوييهم وحمساوييهم، وطنييهم وإسلامييهم، بعد الانتخابات يجب أن يص