بعد أن تعرضت مكانته للضرر بسبب تدني نسبة التأييد له في استطلاعات الرأي، وبسبب تعرض الطريقة التي أدار بها حرب العراق لانتقادات شديدة، قام الرئيس بوش مؤخراً بشن هجوم مضاد كبير لاستعادة ثقة الشعب الأميركي ودعمه للحرب· والذي ساعده على شن هذا الهجوم ذلك العدد المذهل من العراقيين الذين شاركوا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وضعف الحزب الديمقراطي الأميركي وانقسامه، وحقيقة أنه قد بدأ مؤخراً وفي سلسلة من خطبه بالاعتراف بأن الحرب في العراق كانت أصعب مما توقع في البداية· فعندما أصبح بوش أكثر صدقا في النهاية مع شعبه فإنه بدأ يكتسب نوعا من المصداقية· الانتخابات العراقية بأي معيار من المعايير كانت حدثاً مثيراً للإعجاب· بيد أنه ما من أحد هناك يستطيع التأكيد بأن تلك الانتخابات تعتبر إرهاصا بحدوث اختراق كبير وحاسم لإنهاء العنف والفوضى العارمة السائدة حالياً في العراق· السبب هو أنه كانت ثمة ''منعطفات'' في تلك الحرب، أدت إلى حالة من النشوة المبدئية التي سرعان ما اختفت لتنزلق البلاد في مرحلة أشد عنفاً من سابقتها· حدث ذلك للمرة الأولى عند القبض على صدام، ثم حدث مرة ثانية عقب انتخابات البرلمان المؤقت في يناير من العام الحالي، ثم التصويت على مشروع الدستور العراقي في أغسطس الماضي · في كل مرة من تلك المرات كان العنف يتصاعد، والخسائر تتفاقم· فهل الفترة التالية لانتخابات الخامس عشر من ديسمبر الحالي ستكون مختلفة عن سابقاتها؟
هناك أدلة ظرفية على أن الموقف الأمني على الأرض قد بدأ يتحسن في العراق الأوسط· فالعدد الضخم من السنة الذي شارك في الانتخابات الأخيرة، يدل على أن تلك الجماعة المهمة قد بدأت تدرك أن صناديق الانتخابات يمكن أن تحقق مصالحها بأفضل مما يمكن أن تحققه رصاصات المتمردين· مع ذلك يجب أن نلاحظ أن الأجندة الخاصة بالسياسيين السُنة المشاركين في العملية الانتخابية، مختلفة عن الأجندة الخاصة بالسياسيين من الأكراد والشيعة الذين يفضلون وجود حكومة مركزية ضعيفة مع أقصى قدر من الحكم الذاتي للمناطق· وهناك موضوع آخر محوري وهو موقف البرلمان الجديد من وجود قوات الاحتلال الأميركي· فوفقاً لجميع الروايات، فإن هذا الاحتلال لا يحظى بالشعبية، ولكن العراقيين الحريصين على استقلال وحرية العراق يعرفون أن أي انسحاب متعجل للقوات الأميركية ستكون له آثار كارثية على استقرار البلاد·
بيد أن المهم هو أن يتم تشكيل برلمان· فلقد بدأت العديد من الأحزاب السُنية والعلمانية تدعي أن الانتخابات قد تم تزويرها لصالح الأحزاب الشيعية· ونتائج الانتخابات الأولية، تشير إلى أن معظم المقاعد في البرلمان ستذهب إلى الأحزاب الدينية الشيعية والأحزاب الكردية· أما مرشحو الأحزاب العلمانية- المفضلون أميركياً- كتلك التي ينتمي إليها إياد علاوي وأحمد الجلبي، فلم يكن أداؤهم في الانتخابات كما كان متوقعاً· ومن المبكر بالطبع التنبؤ بما إذا كانت نتائج تلك الانتخابات ستكون مقبولة أم لا· أو أنها ستترجم في صورة مناصب في الحكومة الجديدة أم لا· من الناحية الظاهرة يبدو أن العراقيين قد قاموا بالتصويت للقوائم الطائفية والدينية· وهذه النتائج قد تؤدي إلى تفاقم حالة الاستقطاب السائدة في العراق، مما يرفع بالتالي من احتمالات قيام حكومة مركزية ضعيفة مع زيادة درجة استقلالية ونفوذ الجماعات المناطقية في الشمال والجنوب· يمكن لبوش أن يلتمس العزاء من حقيقة أن الديمقراطية قد بدأت تزدهر في المنطقة· ولكن الشيء الذي قد يعطيه قدراً أقل من العزاء هو أن تلك الديمقراطيات ستكون عرضة لتأثيرات ونفوذ قوي من جانب الأحزاب الدينية في العراق وفي فلسطين وفي مصر، ومن المعروف أن هذه الجماعات والأحزاب لديها نفور من
الليبرالية العلمانية، ولا تنظر لأميركا على أنها دولة صديقة· إن الديمقراطية قد تزدهر في العراق وفي أماكن أخرى في المنطقة، ولكن ليس هناك من هو قادر على الجزم بأن تلك الديمقراطية ستخدم المصالح الأميركية في نهاية المطاف·