اختتمت القمة السادسة والعشرون لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، أعمالها في الأسبوع الماضي بصدور بيان ختامي وإعلان أبوظبي، الذي أكد على أن التحديات العالمية تستوجب تطوير النظم التعليمية بما يتواكب مع التحدي المعرفي والتقني المتسارع لثورة المعلومات ويحقق التقدم المنشود·
لا أحد يختلف مع ما طرحه إعلان أبوظبي، حول تطوير نظم التعليم في دول المجلس، لكن هل دول المجلس جادة في تطوير التعليم؟ وهل لديها الاستعداد لتطوير نظم التعليم؟ هل لديها الإمكانيات البشرية والعلمية لتطوير وتحديث التعليم بما يتواكب مع التحدي المعرفي والتقني المتسارع لثورة المعلومات؟ إذا أردنا فعلاً تحقيق التقدم المنشود، علينا أن لا نزيد الميزانيات المطلوبة للتعليم فحسب، بل علينا أيضا أن نسعى إلى تغيير نظم التعليم تغييراً جذرياً، بحيث نخلق إنساناً خليجياً قادراً على منافسة الآخرين في كل المجالات وعلى رأسها المجال الاقتصادي· قبل أن نبدأ بإصلاح التعليم علينا أن نفرش الأرضية الجاهزة للتغيير··· كيف يمكن خلق المواطن الحريص والمخلص لبلده في بيئة لا يوجد فيها عقاب لمن يسيء إلى وطنه··· كيف يمكن خلق المواطن المخترع والمجازف في بيئة لا توجد فيها حرية فكرية ولا احترام للتعددية الفكرية والدينية وغيرها؟
منذ أحداث 11 سبتمبر الدامية والمؤسفة، ونحن نسمع عن محاولات دول الخليج تحديث أنظمتها التعليمية لمحاربة الإرهاب وجذوره في منطقتنا، وعندما داهمنا الإرهاب في بعض دول الخليج، أعدنا تأكيد ضرورة تحديث التعليم، لكن لا شيء يحصل على أرض الواقع··· بعدها اشتد الإرهاب في العراق وبدأت آثاره السلبية تنعكس علينا بانخراط العشرات بل المئات من شباب الخليج للعمل الجهادي في العراق··· بدأت دول الخليج ولأول مرة تتفهم بأن محاربة الإرهاب ليست قضية أمنية بل قضية مجتمعية تمس الكثير من الأمور في حياتنا المعاصرة ومنها التعليم والثقافة والفن وغيره·
مرة أخرى: هل تستطيع دول الخليج تحديث التعليم لديها؟ الإجابة ليست سهلة·· لأنها تتطلب تغيير الكثير من المفاهيم الخاطئة لدينا، أولها: هل الدولة لوحدها المسؤولة عن نظم التعليم أم أن قطاعات أخرى في المجتمع يحق لها منافسة الدولة في مجال التعليم وتحديثه؟ ما هو موجود لدينا في الخليج هو هيمنة شبه تامة للدولة على أنظمة التعليم، فالدولة هي التي تقرر طبيعة التعليم ومناهجه ومن يقوم بالتدريس فيه، وما هي المواد العلمية المطلوبة للتخرج· في السنوات الأخيرة شعرت دول الخليج العربية بأن النخبة السياسية والعلمية والتجارية فتحت مدارس خاصة لأبنائها، لتعليم العلوم الحديثة بعيداً عن المدارس الحكومية التي تردت أوضاعها· الغريب أن هذه الدول عندما فشلت في تحديث التعليم العام بدأت تضع العراقيل أمام المدارس الخاصة·
على دول الخليج العربية إذا كانت جادة في تحديث التعليم لديها أن تطرح تساؤلات أولية مثل: من أين نبدأ؟ هل نهتم بالكم أم بالكيف؟ بمعنى هل نهتم بأعداد الطلبة الذين ينخرطون في التعليم؟ أم نهتم بما يتم تدريسه لهم؟ هل الإصلاح التعليمي يبدأ بتغيير المناهج؟ أم بتغيير المدرسين الذين يقومون بتدريس المناهج المطورة؟!
كليات التربية في جامعات الخليج العربية تخرج الآلاف من الطلبة الذين يقومون بالتدريس في المدارس الابتدائية والمتوسطة والثانوية· المناهج في كليات التربية تحتاج إلى تطوير وكذلك الطلبة الذين يتم قبولهم في هذه الكليات، ليس صدفة أن يكون القبول في كليات التربية للطلبة المتدنية نسبهم وثقافتهم العلمية متردية··· هؤلاء الطلبة الفاشلون أكاديمياً يتخرجون من كليات يهيمن عليها الإسلام السياسي، ليقوموا بدورهم بتدريس أبنائنا في المدارس الابتدائية·
تحديث التعليم لا يأتي بقرار سياسي من القمة، بل يأتي من نزعة مجتمعية يشعر من خلالها المجتمع بأن أمته في خطر إذا لم يحدث التعليم·