بعد يومين من أعياد ميلاد السنة الماضية قررت أنا وأسرتي طرد الصين من البيت· لا أقصد البلد بطبيعة الحال وإنما أقصد تلك الأشياء المصنوعة من البلاستيك والمعدن والخشب، والتي تحمل عبارة ''صنع في الصين''· قررنا الاحتفاظ بما لدينا منها، ولكننا اتفقنا على ألا نأتي بالمزيد منها إلى المنزل· قرار الحظر لم يكن خطأ الصين، فلطالما استفدنا من المنتجات الصينية من ألعاب وأجهزة منزلية وأحذية أطفال لا يتعدى ثمنها 10 دولارات، ورغم القلق الذي كان يساورني أحيانا إزاء انتقال مناصب العمل الأميركية إلى دول أخرى وتقارير انتهاكات حقوق الإنسان بالصين، لكن الكلمة الأخيرة في بيتنا كانت دائما للمنتجات الصينية التي لم نكن نستطيع مقاومة جاذبية أثمانها المعقولة·
ولكن ذات يوم خلال العام الماضي، غمرني شعور مستبد بعدم الارتياح حين جلست على الأريكة ألاحظ ماذا حل بالغرفة بعد انتهاء الاحتفال بأعياد الميلاد· لحظتها فقط أدركت حقيقة لا جدال فيها، وهي أن الصين تكتسح المكان· جلست أنظر إلى ما حولي، فرأيت الأحذية الرياضية الموضوعة قرب الباب وشجرة عيد الميلاد ودمية كانت مطروحة على الأرض· وفجأة خطر لي القيام بجرد سريع للهدايا وتوزيعها بين هدايا من صنع صيني وأخرى من صنع أميركي أو قادمة من دول أخرى· وأسفر الجرد عن تقدم لفائدة الصين (25) مقابل العالم (14)· حينها قلت في نفسي إن أعياد الميلاد أصبحت من صنع صيني· وفجأة طفح الكيل، وقررت ألا أدع المنتجات الصينية تدخل منزلي بعد ذلك اليوم·
تمكنت من إقناع زوجي بالفكرة عن طريق استعمال الحيل تارة والإقناع تارة أخرى، وفي 1 يناير 2005 شرعنا في تطبيق حظر منزلي على المنتجات الصينية لفترة سنة· لم يكن هدفنا معاقبة الصين التي لن تشعر باحتجاجنا مهما فعلنا، كما أننا كنا مدركين تماما أننا بإقدامنا على هذه الخطوة لن نعيد فرصة عمل واحدة إلى الولايات المتحدة· لقد أخرجنا الصين من حياتنا لأننا أردنا أن نعرف فقط إلى أي مدى توغلت فيها وأصبحنا معتمدين عليها، كما أردنا أن نعرف كم يتطلب الأمر من الوقت والمال والجهد للتخلص من عادة شراء كل ما هو صيني·
وكانت أول صعوبة تعترض طريقنا عندما اكتشفت أن ابني في حاجة إلى حذاء رياضي جديد، حيث أمضيت وقتاً طويلاً في البحث عن حذاء جديد لم يصنع في الصين، ولكن من دون جدوى، وبعد أسبوعين لم أجد بدا من إنفاق 60 دولاراً على أحذية رياضية صنعت في إيطاليا· شعرت بالامتعاض وبدا لي الثمن باهظا جدا، ولكن مع مرور الوقت تعودت على هذا الشعور· وبعد بضعة أسابيع اضطررت إلى دفع ما لا يقل عن 60 دولارا لاقتناء حذاء صنع في تكساس لطفلتي الرضيعة·
واجهتنا عدة صعوبات عند تطبيق هذا الحظر المنزلي على المنتجات الصينية، حتى عندما يتعلق الأمر بأشياء صغيرة بسيطة، فمثلا عندما كنا نعد للاحتفال بعيد ميلاد زوجي زرت ستة متاجر على الأقل لاقتناء شموع غير صينية لكن دون جدوى، لأجد نفسي بعد ذلك مضطرة لاستعمال شموع قديمة وجدتها بالمطبخ· ومرة عندما أراد زوجي إصلاح أحد الأدراج المعطلة، وجد القطعة اللازمة لإصلاح الدرج في أحد محلات قطع الغيار، لكنه عندما هم بشرائها وجد العبارة المشهورة ''صنع في الصين''، فقرر تركها حيث وجدها، التزاما منه بما اتفقت عليه أسرتنا·
لقد كان التجول بين الرفوف المخصصة للعب في المراكز التجارية تحدياً حقيقياً أمام أسرتي للاستمرار في تطبيق فكرة ''سنة من دون منتجات صينية''، حيث لم يصمد ابني ذو الأربع سنوات أمام إغراء اللعب الصينية، وشن حملة مضادة في المنزل لصالح ''المنتجات الصينية''· ورغم أنه كان يتمتع بالروح الرياضية، فإنه مل كثيراً من اللعب المصنوعة في الدانمارك، لينهار تماما ذات صباح من شهر أكتوبر خلال زيارة لأحد المراكز التجارية أمام جاذبية إحدى اللعب الصينية التي أعجب بها كثيرا، حينها صاح في وجهي محتجا ''لقد مر زمن طويل دون المنتجات الصينية!'' وظل يكررها على مسامعي طوال اليوم· وفي اليوم التالي أخذته إلى المحل ليشتري بمصروف عيد ميلاده اللعبة الصينية التي أعجبته بنفسه، ولم أشأ لمس الأوراق النقدية وتركته يعطيها لموظف الصندوق بنفسه· من جانبه، لم يخف زوجي تذمره إزاء عدم قدرته على شراء هدايا أعياد الميلاد لأنها صنعت في الصين، ولذلك قرر أن يصنع هدايا بنفسه للأطفال· والواقع أنه يستطيع صنع مراكب خشبية وقيثارات وغيرها من لعب الأطفال، لكنني أخشى أنه سيضطر في نهاية المطاف لاستعمال أدوات صنعت في الصين· وقال لي متذمرا ''لم أكن أعرف أن الأمر بهذه الصعوبة''· إن ما يثير السخرية في اجتياح المنتجات الصينية لأسواقنا هو أنه باستطاعتنا كدولة أن نتوقف عن استيرادها مرة واحدة، ونرفع شعار ''لا للبضائع الصينية!''، لكنني أشك في أننا سننجح في مسعانا، فإذا كان معروفا عن الأميركيين أنهم وطنيون، يكفي أن نلاحظ ما حولنا لنجد أن الصين تصنع كل الأشياء بما في ذلك الأعلام الأميركية، بل إن الصين هذه الأيام تقوم بتوفير حاجيات كل عيد وطني، بما في ذلك عيد الاستقلال الأميركي