ليلى عبد الحق بلكورة، عالمة مغربية شابة مختصة بفيزياء الفلك، وكاتبة علمية حققت شهرة عالمية بأول كتاب لها· عنوان الكتاب ''قصة اكتشافنا درب التبّانة''، وقال عنه مؤلف ''الموسوعة الفلكية'' باتريك مور ''إنه كتاب جيد للغاية يعالج موضوعه بشكل غير مألوف، وقد تعلّمتُ منه الكثير''· يروي الكتاب قصة اكتشاف سبعة علماء مجرّة ''درب التبّانة''، التي تضم كوكبنا الأرضي، ومنظومتنا الشمسية، ومليارات النجوم الأخرى· وإذا كان تاريخ العلم، كما يقال، هو العلم نفسه فإن سيرة العلماء هي تاريخ العلم· هذا ما كشفت عنه العالمة المغربية، التي ربطت بين قصص حياة علماء حققوا للأجيال الحالية من البشر ما لم يتحقق لجميع الأجيال قبلهم: معرفة موقعهم في الكون·
كتاب كان ينبغي أن تكتبه امرأة علم تحاول استقصاء دقائق حياة العلماء من مختلف البلدان، وتتابع أفكارهم العلمية عبر علاقاتهم العائلية، وصداقاتهم الشخصية، وطموحاتهم الذاتية، وهفواتهم الفكرية، وصراعاتهم، وسجالاتهم· ومن أقرب للاعتراف بفضل علماء مختلف الأمم من امرأة علم تنتسب إلى أمةٍ وسَط بين الأمم، قامت حضاراتها العلمية العظمى على مساهمات مختلف الأقوام؟
فهذه المجرّة، التي يسميها علماء الفلك ''بيتنا'' رصدها الفلكيون في العراق القديم قبل نحو خمسة آلاف عام بعيونهم المجردة· وأسماها الإغريق ''درب الحليب'' لأنها تشبه الحليب المنتثر، وأطلق عليها العرب اسم ''درب التبّانة'' لأنها تشبه التبن المتناثر· وهي واحدة من مليارات المجرات، التي تُسمّيها العالمة المغربية ''أحجار بناء الكون''· بعض المجرّات عريضة، وبعضها لولبية مسطحة، وأخرى أسطوانية الشكل، أو تبدو كخطوط نحيفة، وهي مختلفة الألوان والأحجام والإشعاع والبريق· وكل مجرّة منظومة تتكون من مليارات، وحتى تريليونات النجوم، التي تشدّها الجاذبية إلى بعضها بعضاً، وتدور بها كالأنشوطة، حول مركزها الجبّار· مركز ''درب التبّانة'' يضم 10 مليارات شمس في حجم شمسنا، ويمكن تصور الحجم الهائل للمجرّة من الوقت الذي تستغرقه منظومتنا الشمسية لقطع ذراع المجرّة، ويبلغ 200 مليون سنة· ومجرّتنا تتكون من خمسة أذرع، كل ذراع منها يتكون من عشرات المليارات من النجوم المماثلة لشمسنا· ولا يمكن تصوير المجرة إلاّ بالخروج منها، وهذا مستحيل، لأنه يستغرق مليار سنة ضوئية· والسنة الضوئية هي المسافة، التي يقطعها خلال سنة الضوء الذي يسير بسرعة 300 ألف كليومتر بالثانية· والصورة المشهورة لمجرّة ''درب التبانة'' المنشورة في الكتاب مُركّبة من 51 صورة ملتقطة على امتداد 3 سنوات·
''ما نعرفه قليل، وما لا نعرفه هائل''، بهذه العبارة المقتبسة عن العالم الفرنسي بيير سيمون لابلاس تستهل المؤلفة عرض صورة مجرّة ''درب التبّانة'' كما تبدو الآن لعلم الفلك· ما نعرفه حقاً يصعب تصوره، إذ كيف يمكن تصور أن هذه المجرّة، التي تُرى في المنطقة العربية بوضوح كبير كقوس حليبي يمتد عبر السماء أكبر من كوكبنا الأرضي بتريليونات المرّات، وهي على جسامتها أصغر من الكون الأكبر بتريليونات المرات؟ فكيف بمعرفة ما لا نعرفه حتى الآن عن المادة المعتمة الغامضة، والتي تشكل 90 في المئة من الكون كله؟ معرفة ما لا نعرف ''دراما'' استغرقت، حسب العالمة المغربية نحو قرنين· ولم يفلح العلماء إلاّ في منتصف القرن العشرين، ''في تقدير حجم، وتركيب، وحتى تاريخ ميلاد مجرتنا الحلزونية، وعرفنا أن لها نظائر بالمليارات تمتد عبر مسافات وأزمان سحيقة''· وعلى الطريقة الحميمة لمُدرّسي علم الفلك تأخذنا المؤلفة في رحلة سماوية ليلية تبدأ من أقرب المجرات إلى مجرتنا، ويسمّيها الفلكيون العرب ''سديم المرأة المسلسلة''·
تستعير في ذلك عيني عالم الفلك عبدالرحمن الصوفي، الذي وضع دليلاً بأسماء النجوم المستخدمة حتى اليوم· ''عمل الصوفي في مرصد عظيم ببغداد في القرون الوسطى، ولم تكن لديه أيّة آلات بصرية، لكن ما كان عليه أن يقلق من تلويث النور الكهربائي، الذي يُعمي عيون سكان المدن الحديثة الكبرى'' عن رؤية هذه المجرة البيضوية الشكل بكامل بهائها· ''جزيرة كونية'' من مليارات النجوم المشدودة إلى بعضها بعضاً بالجاذبية· وتنبه المؤلفة قارئها إلى أن أسماء الأبراج الغربية المستخدمة لحد الآن وضعها سكان العراق القديم قبل نحو خمسة آلاف عام، كبرج ''الجدي'' و''القوس'' و''العقرب'' و''الأسد''· وتشير إلى الأصل العربي لأسماء كثير من النجوم، كالنجمة الحمراء ''منكب الجوزاء'' التي تُلفظ بالإنجليزية ''بتلجوس''، والنجمة الزرقاء ''رجل الجبار''، وتُلفظ بالإنجليزية ''ريجيل''، و''الثور''، ويلفظ ''توروس''، و''العقرب''، ويلفظ ''أكرب''·
وأفلحت الترجمة العربية للكتاب في التغلب على ما كان يسميه الكاتب العلمي المشهور إيزاك أزيموف ''التشوش حتى في كلمات وصف المجرّات، بسبب التشوش في ما هي المجرات فعلاً''· فهي تُسمى أحياناً سُدماً، أو غيوماً، أو منظومات نجمية، أو عناقيد، وبروجاً، وجزراً· قام بالترجمة العالم اللبناني المعروف حسن الشريف