اختصر صاحب السمو رئيس الدولة ''حفظه الله'' الواقع في كلمته الافتتاحية لقمة مجلس التعاون الأخيرة بأن ما وصل إليه المجلس لا يصل إلى سقف أحلام شعوب دوله، فالعمل الخليجي الذي انطلق منذ زمن ليس بالقصير لم تنضج تجربته وبصورة أدق لم تتبلور في شكل يوحي بحقيقة الأمر ومتطلبات الوقت المتسارع في سوق التنافس في كافة المجالات·
وربما إن أردنا الدقة فلم يعد حلم الوحدة، وارداً أو يخطر ببال الكثيرين من أهل هذه الدول الست، فواقعياً هناك الصلات العائلية والروابط الاجتماعية المشتركة المتشابهة إلى حد كبير بين هذه الدول فهل هناك إذاً جدوى من وجود المجلس؟!
إذا كان مرور كل هذا الوقت لم يعرف المجلس كيف يثبت أقدامه في أرض صلبة وظروف أصلب وأصعب فماذا ننتظر إذاً؟
ولا يجب إنكار ضرورة إنجاح هذا المجلس، وأهمية وجوده الإيجابي بإيجاد مؤسسات مشتركة تسهم في البدء للتأسيس لدول موحدة غايتها أولاً وأخيراً أمن المنطقة ككل لأنه أمن مشترك تتداعى اختراقاته على جميع دول المنطقة دون استثناء، لكن كيف يمكن أن ينجح المجلس اقتصادياً على الأقل والظروف لم تهيئ له أن يحقق نجاحاً على قدر التطلعات؟
فنجاح التجربة الأوروبية ارتبط أولاً بالعوامل الذاتية التي ساهمت في ضمان نجاح تلك التجربة، وخصوصاً فيما يتعلق بالمؤسسات الاقتصادية ذات الصلاحيات المشتركة والتفويض الحر في اتخاذ القرارات والتي جعلت الكثير من الدول الأوروبية تتنازل عن الكثير من شروط السيادة كضمان لنجاح هذه المؤسسات·
ومعلوم أن اتساع نطاق التفويض يقوي من الشركات والمؤسسات المشتركة ويسهم في زيادة وتيرة العملية التكاملية وانضباطها·
وربما أسست التجربة الأوروبية هذه المؤسسات الاقتصادية لتنطلق بعدها التجربة بنجاح وثقة استدعيا الكثير من التفويض والتنازل لضمان نجاح أمة بأكملها هدفها التضامن الاقتصادي أولاً والسياسي ثانياً لتقف قارة موحدة ضد تيار العولمة والاختراقات الاقتصادية القادمة من كافة الاتجاهات·
المقارنة هنا ليست مجحفة بقدر ألمها، فأولاً التجربة الخليجية تنقصها الإرادة· هل هناك إرادة فعلية لمثل هذا التكامل؟! وهل هناك إيمان عميق بجدوى هذا التعاون والتكامل؟
رغم أن رياح التغيير التي هبت على المنطقة في العقد الأخير تؤكد ضرورة هذا التكامل وأهميته لكن لأن الفكرة انفعالية كعادة الشعوب العربية جعلت المجلس مُهمشاً إلى أقصى حد، حتى في أبسط المشاكل الحدودية فشل المجلس في إيجاد حلول ترضي كافة الأطراف، ليتم بعدها القفز نحو مرحلة أخرى، لكن لم تعد هناك مراحل أخرى، فالفكر الذي يدرك خطورة أن تكون كل دولة منفصلة عن أختها لم يستوعب بعد مدى النجاحات التي يمكن أن تشكلها الوحدة وخاصة فيما يتصل بالمجال الاقتصادي وهو شريان الحياة بالنسبة لدول تعتمد في قوتها اليومي على برميل البترول·
التحديات صعبة والعولمة من شأنها أن تصيب ذاكرة الوطن الخليجي بانفصام تام عن حقيقة هويته ودينه، والطامعون على مرمى حجر من حدود مفتوحة ومهددة مهما كانت القوة العسكرية وحجم الإنفاق على تجديدها وتسليحها·
فلابد إذاً من تجربة ناجحة ومجلس فاعل يفهم لماذا هي الوحدة ملحة وسهلة إن كان هناك الإيمان الفعلي بها والذي يرى أبعد من أنوف ذوي الأهواء والمصالح الخاصة والذين هم أبعد ما يكون من وجع الشعوب وألمها وسط هذه الأعاصير المتكالبة علينا دون شيء من رحمة أو تساهل·