كانت دعوة وزارة الخارجية متمثلة في معهد الإمارات الدبلوماسي محاولة لرصد الواقع ورسم خريطة التوقعات استشرافاً للمستقبل، المستقبل بكل ما يحمله من تحديات وما يطرحه من سيناريوهات· كان اجتماعاً ضم نخبة من أبناء الوطن، نخبة تم اختيارها للجلوس وجهاً لوجه وممارسة تجربة العصف الفكري بروح وثابة بعيداً عن مقص الرقيب وخوف الحسيب وعلى الرغم من إدراك الجميع بأن أية فكرة يجب ألا تقبل التأويل أو تقبل القسمة على عشرة، فإن هموم الوطن كانت حاضرة متجسدة·
ما تم طرحه يشكل من دون شك مدخلاً حقيقياً لتفعيل الحراك الاجتماعي والسياسي المتسربل بالروح النقدية والتي كانت سائدة في مجتمع الإمارات بعد قيام الدولة الاتحادية ومحاولة الجميع احتضان التجربة وغرسها في المهج وفوق الضلوع، وإن كانت سفينة الوطن قد أبحرت في ظل وجود القائد الرمز المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي استطاع، كربان ماهر، أن يدير الدفة ويرفع المرساة ويوجه الأشرعة وهو مبحر بين موجات محيطات الكوارث السياسية والحروب التي شهدتها المنطقة، والتي كان من الممكن أن تعصف بالتجربة، ولكن التجربة صمدت، وها هي تعبر عقدها الثالث، ولكن المستقبل وفق ما تم طرحه في جلسة العصف الفكري محفوف بمخاطر جمة يتوجب إدراكها، ورسم كل السيناريوهات القابلة للتنفيذ لإنقاذ المنجزات والحفاظ على احتياطي الأجيال·
عصف فكري وتجاذبات منهجية بين أكاديميين وإعلاميين وأصحاب قرار ووزراء وقطاعات مختلفة تمثل مجتمع الإمارات تطابقت رؤاهم واتفقت على أن هناك مجموعة من التحديات الحقيقية والتي يجب الجلوس على طاولة الوطن لبحثها بروح الفريق الواحد، الجلوس متكاتفين حكومة وشعباً ونشر خريطة المخاطر التي ربما تكون قريبة وربما تكون مستبعدة ولكن قراءة الواقع السياسي للمنطقة تنذر بأكثر من خطر ولن يحصننا في الإمارات من أية أخطار سوى بناء جبهة داخلية متماسكة، ومن ثم زرع كل ما يمكنه أن يؤكد الولاء للأرض والمستقبل·
لملامسة بعض من هذه التحديات دعوني وإياكم وفي محاولة لتأكيد أهمية الحوار وخلق مرتكزات للحراك الشعبي المأمول دعوني أخلق معكم حالة من السجال لقراءة تغذية راجعة ربما أسمعها منكم أو أن تتحول إلى موضوع لمناقشاتكم في مجالسكم الخاصة أو مع الآخرين·
الهدف من هذه المحاولة هو رصد العصف الفكري الجميل المقدر الذي رعاه سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدولة للشؤون الخارجية بتوجيهات تصر على الشفافية وحرية الكلمة وعدم مصادرة أي رأي مهما كان فيه من شطط، وحتى وإن كانت بعض الآراء لا زالت تحاول أن تصل وفق منطق التملق، ولكن وللحق إن كل رأي كان مقدراً وكل وجهة نظر تم استيعابها ومنح صاحبها كامل الوقت لطرحها· الأصوات النسائية أكدت حضورها الواعي والفاعل مؤكدة أن ابنة الإمارات أكاديمية كانت أم إعلامية أم شابة يافعة تضع بصمتها الأولى ربما في عالم الحوار الجاد والهادف قادرة على تلمس مواطن الإخفاق والألم، وقادرة على تقديم أطروحات سياسية غاية في النضج وغاية في الأهمية، ولم تكن في جلسة العصف الفكري مهمشة تداري خجلها الفكري، بل أثارت ابنة الإمارات بأطروحاتها العديد من الأفكار وانتزعت إعجاب الجميع وقالت ما عجز عنه الكثير من الرجال، وهذه واحدة من المواقف الكثيرة التي تقف فيها نبتة طيبة من غرس زايد لتشرق بالفكرة وتقدم رؤية طموحة وحادة بحدة مشكلة كالتركيبة السكانية وربما يسأل أحدكم هل الأمر بهذه الحدة أقول إنه، ومن واقع العصف الفكري وحديث اتفق عليه الجميع تقريباً يشكل موضوع التركيبة السكانية، ويجب أن يشكل محور اهتمامنا برسم مستقبل هذا الوطن؛ فالجحافل القادمة ربما تكون أكثر من الموجودة بيننا وفق تقديرات ازدياد المشاريع الاقتصادية المأمولة، وتواجد هذا العدد من العمالة القادمة من مرجعيات ثقافية وانتماءات عرقية ودينية واحدة أو مختلفة يشكل تهديدا للاقتصاد نفسه، ناهيك عن تحوله لقوة اقتصادية وربما سياسية تهدد الهوية وتسحق المكتسبات·
إن إعادة التفكير بالأعداد المرعبة للعمالة الوافدة على حساب انحسار أعداد المواطنين وتحولهم في مستقبل الأيام إلى أقلية معزولة في كانتونات ينذر بأن الخطر الداهم هو ذوبان مجتمع الإمارات في هذا المحيط وهذا الذوبان هو ذوبان اجتماعي وقيمي وذوبان وجودي، ناهيك عن قدرة هذه الجحافل الوافدة على التحول إلى قوى ضغط يمكن أن تمارس سطوة على صناعة القرار السياسي والقوانين المنظمة لأمور الحياة الأخرى، وربما ستدعمها قوى ومنظمات خارجية، خاصة في مسألة حقوق العمال ومسألة المواطنة·
لا يمكن التشكيك لحظة واحدة أن قيادة سياسية بهذا الرشد تغيب عن بالها قضية بهذا العمق وهذه الخطورة ولكنها محاولة للعصف الفكري وأنة روح متعبة رسمت ملامح الحوار والجدل الذي دار في القاعة وخرج (المتعاصفون) -إن صح الاشتقاق- بنتيجة مفادها أن الوطن ربما يكون معرضا لخطر داهم وحقيقي واستشراف المستقبل يحتاج إلى وضع هذه المعضلة في صدر الأولويات· هذ