في السنوات الأخيرة تحولت القمة الخليجية إلى موضوع ممل لا يبعث على الإثارة· تنعقد القمة وينفض سامرها من دون أن يشعر بها الكثير من مواطني دول المجلس، عدا بعض المهتمين والمراقبين· والقمة الأخيرة لم تكن استثناء· صدر بيان القمة وليس فيه فكرة واحدة تبرر أن تنعقد القمة من أجلها· أغلب ما جاء في البيان لا يتجاوز عبارات من مثل ''اطلع المجلس''، و''أكد المجلس''، و''ثمَّن المجلس''· هذا عدا عن أن موضوعات البيان الختامي مكرورة، ويتم ترديدها في كل بيان ختامي صدر عن القمم السابقة· قيل قبيل القمة بأن القادة الخليجيين سيناقشون فكرة إنشاء بنك مركزي لدول المجلس· لكن هذا يتطلب أولا الاتفاق على توحيد العملة· ومع ذلك تم تداول هذه الفكرة· الأرجح أن انتشار هذه الإشاعة يدل على التعطش لأية فكرة جديدة قد تخالف بها القمة ما سبقها وتقول شيئا مفيداً ومثيراً·
الأكثر إثارة هنا هو ما رشح من تباينات بين قادة المجلس حول ملف إيران النووي· وجاءت رسالة أمين عام الجامعة العربية، عمرو موسى، إلى أمين المجلس، عبد الرحمن العطية، لتضيف بعداً آخر للقضية· في رسالته حذر موسى، كما تقول بعض المصادر، من أي تفكير خليجي بتوقيع اتفاق إقليمي مع إيران لمنع أسلحة الدمار الشامل في منطقة الخليج، لأن مثل هذا التوقيع يخالف مفهوم الأمن الجماعي العربي· موقف أمين الجامعة غريب· يحذر دول الخليج، في الوقت الذي يتجاهل السياسة المصرية حيال الموضوع نفسه· لماذا لا يقول لنا عمرو موسى موقفه من السياسة المصرية التي سمحت لإسرائيل بفرض هيمنتها على المنطقة؟ وما هو موقفه من رفض مصر الربط بين الاستمرار في تطبيع علاقتها مع إسرائيل بالملف النووي لهذه الأخيرة؟ إذا كانت مصر صامتة حيال الملف النووي الإسرائيلي، فلماذا لا تطالب الجامعة بكسر هذا الصمت؟ هذا عدا أن عمرو موسى كان أحد مهندسي سياسة التطبيع المصرية· مطالبة دول الخليج غير مفيدة إذا لم تكن ضمن موقف عربي متكامل من القضية· هل يجرؤ الأمين العام ويخاطب الجميع، بمن فيهم مصر، عن مسؤولياتهم؟
بالعودة إلى موضوع المجلس، يتساءل كل مواطن من دوله عن الذي أنجزه خلال هذه المدة· لا شيء، سواء تعلق الأمر بأكبر الطموحات مثل شكل الوحدة، إلى ما هو أقل من ذلك مثل وحدة بطاقة التنقل أو وحدة العملة· ولا حتى سوق مشتركة· هذا فضلا عن غياب التنسيق بين دول المجلس في سياساتها الخارجية· لماذا لم تطرح حتى الآن فكرة الوحدة مثلا، أية صيغة من صيغ الوحدة: فيدرالية، كونفيدرالية، أو اندماجية؟ هذا سؤال يفرض نفسه ابتداء، ليس لأن عمر مجلس التعاون تجاوز الربع قرن، وإنما كذلك لأسباب ومبررات أخرى·
هناك أساس اجتماعي للوحدة يتمثل في تشابه البنية الاجتماعية لكل دولة من دول الخليج العربي· هناك اختلافات في التجربة الاجتماعية والسياسية لكل دولة· وهناك اختلافات واضحة في درجة المحافظة، والتطور السياسي لمؤسسات الحكم· لكن الإطار الاجتماعي، والشكل السياسي للحكم في كل من هذه المجتمعات يتشابه بدرجة كبيرة تكاد تقترب من التماثل· هناك وحدة المصلحة الاقتصادية من حيث إن النفط يمثل الركيزة الأساسية لاقتصاد كل دولة من دول المجلس· ربما قيل إن هذا لم يعد ينطبق على مملكة البحرين في الآونة الأخيرة· لكن حتى هذه الدولة تعتمد في الأخير على الريع النفطي· أضف إلى ذلك أن دول المجلس تنتمي إلى رقعة جغرافية واحدة متصلة تتكامل مع وحدتها الاجتماعية·
وإذا كانت منطقة الخليج تمثل منطقة استراتيجية بموقعها الجغرافي الذي يتوسط بين العالم العربي وجنوب شرقي آسيا، وبإطلالتها على الخليج العربي والبحر الأحمر، وبما تمثله من مصدر حيوي للطاقة العالمية، فإن هذا يؤكد وحدة المخاطر الأمنية التي تواجهها دول مجلس التعاون· يؤكد ذلك أن الخليج العربي ينتمي إلى منطقة مضطربة بالصراعات والتحولات السياسية، خاصة في هذه المرحلة التي تشهد تصدع النظام الإقليمي العربي الذي نشأ في أعقاب الحرب العالمية الثانية· وهو تصدع ينبئ بتحولات كبيرة في طبيعة دول المنطقة العربية، وطبيعة العلاقات السياسية فيما بينها· الأمر الذي يفرض على دول المجلس مواجهة حقيقة أن صيغة التعاون التي قام عليها المجلس حتى الآن لن تكون كافية لمواجهة تحديات هذه المرحلة· بل إن صيغة التعاون هذه على تواضعها في وجه التحديات الكبيرة التي مرت بها دول المجلس لم يتم الالتزام بكل متطلباتها·
التجارة، والسياسة الخارجية، والسياسات الأمنية لكل دولة من دول المجلس لا تعكس أن هناك تعاوناً بينها· وهذه أهم وأخطر مبررات قيام مجلس التعاون أصلا· بعض دول المجلس، مثل البحرين وقعت اتفاقية منفردة للسوق الحرة مع أميركا، وقطر والإمارات تتفاوض للهدف نفسه· والمبرر أن الولايات المتحدة ترفض التفاوض مع دول المجلس ككتلة اقتصادية واحدة· مما يعني أن الاعتراف الأميركي بالمجلس لا يتجاوز الشكليات الدبلوماسية· ومع ذلك اعتبر مبررا كافياً· طبعاً ليس في نظام المجلس ما يمنع هذه الدول من ذلك·
من الناحية الأمنية لا تعتمد الدول ا