عام 1896 صدر أول فيلم عنصري في هوليود ضد العرب، ومنذ ذلك التاريخ وحتى الآن أنتجت السينما الأميركية أكثر من ألف فيلم تتضمن تصويراً عنصرياً إزاء العرب والمسلمين، كما يقول جاك شاهين الخبير الأميركي (من أصول لبنانية) في صورة العرب في الأفلام الأميركية· هوليود وكما يتفق أغلب المهتمين بصناعة الرأي العام العالمي هي أهم صانع لذلك الرأي في عالم اليوم· الصورة التي تصنعها تؤثر في المشاهد ليس في الولايات المتحدة فحسب، بل وفي كل بقعة من بقاع العالم· شاهين قضى سنوات طويلة من عمره يرصد الأفلام المشوهة للعرب ويبوبها ويلتقط الرسائل التي تنقلها للمشاهد والمتلقي ويدرس تأثيراتها وانعكاساتها المختلفة·
ويقول في كتاب فريد ومرجعي حقا يحتوي على مراجعات نقدية لما يقارب ألف فيلم إن ما أراد أن يثبته هو أنه على مدار أكثر من قرن عملت هوليود على تصوير أمة كاملة بأنها شريرة· وهذا يتضمن رسم صورة سيئة ووحشية حول عدة فئات من العرب وهم الأكثر تعرضا للتشويه ومنهم المصريون، والفلسطينيون، والنساء· يقول إن الصورة الدموية وبالغة السوء المرسومة في ذهن المشاهد الأميركي والغربي عن العربي هي نفس الصورة التي رسمها الإعلام الألماني والغربي عن اليهود في القرن التاسع عشر، والتي جعلت من فكرة إبادتهم في ''الهولوكست'' الألماني فكرة عادية ومتقبلة من قبل الرأي العام في ألمانيا· العربي في المخيلة الغربية شرير، طماع، زير نساء، إرهابي، همُّه المال، شرِه، غير متحضر، يشكل خطراً على من حوله، غدار لا يمكن ائتمانه، لا يستحق سوى الموت، وأفضل عربي هو العربي الميت· هذه الصورة المترسخة بسبب هوليود وصناعة السينما بشكل أساسي، لكنها المنتشرة في طول وعرض الإعلام الغربي الشعبوي أيضا، تمهد الطريق لأية سياسة وحشية تتخذها أية حكومة غربية ضد العرب· فإن جاء جورج بوش وقرر أن يحتل بلداً عربياً، ويموت من جراء ذلك مئات الألوف فإن هذا القرار لا يهز المشاعر الإنسانية نفسها في أوساط الأميركيين التي كانت ستخرج لو كان القرار اتخذ في حق شعب أو أمة غير عربية·
الخطر الكبير المتولد عن تصنيع وإعادة تصنيع صورة العربي الشرير عن طريق السينما الأميركية يكمن في تهيئة العقلية الأميركية والغربية بل وحتى العالمية لتقبل أية سياسة عنصرية ضد العرب· شاهين يقول إن الصورة النمطية في مئات الأفلام التي راجعها تكاد تكون واحدة وتقود إلى نفس النتيجة، وهي أبلسة العرب وتصويرهم بأنهم أشرار القرن العشرين والحادي والعشرين كما كان اليهود أشرار القرن الثامن عشر والتاسع عشر· تلي ذلك شرعنة أي مشروع عنصري ضدهم حتى لو وصل الأمر إلى الإبادة الإثنية·
ومن مشاهد الإبادة الكثيرة التي تنشرها هوليود إزاء العرب نرى دائما كيف يقوم ''البطل الأميركي الأبيض'' بعد أن يحاصر من قبل العرب المتوحشين (الذين يصورون كإرهابيين مجانين) بإطلاق النار على محاصريه وينتصر عليهم بعد عناء ومقاومة وبطولة باسلة، بشكل يأسر تعاطف المشاهدين معه ويدفعهم لتأييد إبادته لهم· ففي فيلم ''الحصار'' مثلاً يقول جاك شاهين إن العنصرية في ذلك الفيلم فائقة، وإن ثقافة تطبيع فكرة إبادة العرب مخيفة، إذ أنه فيلم يشوه شعباً بأكمله هو الشعب اليمني· ففيه ترى كيف أن المارينز الأميركيين يقومون بإطلاق النار على اليمنيين بشكل عادي بما في ذلك الرجال والنساء والأطفال، واليمن بلد حقيقي وفيه شعب حقيقي وليس الأمر خيالاً أو بلداً متخيلاً وباسم مصطنع· وفي الفيلم يرى المشاهد الأميركي كيف أن العرب مجرد مجموعات من المجانين الذين لا هدف لهم سوى كراهية أميركا والرغبة الجامحة بقتل الأميركيين، وأن هذه الرغبة تشمل حتى الأطفال حيث يُظهر الفيلم طفلة صغيرة تحمل مسدساً وتصوب نحو جنود المارينز المدججين بالسلاح وتطلق النار عليهم· والأثر المخيف للتصوير الدرامي لمشهد حصار جنود المارينز من قبل اليمنيين ثم ''انتصار'' الجنود وتمكنهم من فك الحصار عن طريق إطلاق النار وحصد اليمنيين تمثل في أن مشاهدي الفيلم في قاعات السينما في الولايات المتحدة كان يستثيرهم الحماس ويقفون ويبدأون التصفيق والهتاف عندما يصور المشهد القتل الجماعي للعرب·
جاك شاهين يرد على مقولة إن هناك مبالغة في تصوير السلبية التي تحملها الأفلام الأميركية ضد العرب، لأنها تحمل أيضاً صوراً سلبية عن الأفارقة، والصينيين، والروس، غيرهم، وإن تلك الصور يجب ألا تُحمَّل أكثر مما تحتمل بكونها من ضرورات الدراما ولا يُقصد بها تحقيق أهداف سياسية أو تشويهية لأمة بحد ذاتها· ويقول إن على العرب والمسلمين أن يكونوا مهجوسين بهذا أكثر من غيرهم، لأن هناك استهدافاً لهم أكثر بكثير من غيرهم، وصورتهم السلبية لا يمكن مقارنتها بالصورة السلبية لأية أمة أخرى· حتى خلال الحرب الباردة وانتشار صورة الروسي الشيوعي الشرير والإرهابي، فإن تلك الصورة لم تبلغ في سوئها أي مستوى مقارنة بسوء صورة العربي، ثم لم تستمر أكثر من عشرين سنة عملياً، مقارنة بقرن كامل من تشويه صورة العربي·
واستهداف ا