في مقاطعة هونج كونج، وهي أكثر بقعة في عالمنا الراهن تجسد مفهوم التجارة الحرة بمعناها الواسع، يبدو أن مباحثات منظمة التجارة العالمية المنعقدة هناك منذ عدة أيام، في سعي إلى تذليل العقبات أمام تحرير التبادل التجاري العالمي··· توشك على الانتهاء إلى طريق مسدود بسبب الخلافات الحادة خلال أربعة أيام متوالية! وقد بدأ الاجتماع الوزاري السادس للمنظمة يوم الثلاثاء الماضي بخطاب افتتاحي من الحاكم التنفيذي لهونج كونج دونالد تسانغ، وترأس المؤتمر وزير التجارة والصناعة والتكنولوجيا في حكومته جون تسانغ، بمساعدة وزراء خمسة؛ هم وزيرة التجارة والصناعة الكينية التي تولت رئاسة اللجنة الزراعية، ووزير التجارة الخارجية والتنمية الدولية في غواتيمالا رئيساً للجنة قضايا التنمية، ووزير التجارة الباكستاني الذي ترأس لجنة الوصول إلى السوق غير الزراعي، ووزير الخارجية النرويجي رئيساً للجنة الخدمات، وأخيراً وزير خارجية تشيلي على رأس لجنة أخرى للقضايا المتفرقة·
وإن تفاوت تقدم العمل في مسارات لجان المؤتمر، فإن المحصلة المشتركة لمناقشاتها لم تساعد على التمكن من وضع مسودة اتفاق مكملة لـ''جولة الدوحة'' كما كان مؤملا، بل برز الخلاف الزراعي حول موضوعي الدعم والنفاذ إلى الأسواق، ليشكل عقبة تهدد بتقويض مؤتمر هونج كونج، حيث طالبت الدول النامية بإزالة أو تخفيض الدعم الحكومي الذي تقدمه الدول المتقدمة لمزارعيها، وبإلغاء حواجز التعرفات الجمركية التي تحول دون وصول منتجاتها الزراعية إلى أسوق البلدان الصناعية، بينما رفضت هذه الأخيرة مطالب الجنوب، ولم يقبل الاتحاد الأوروبي تخفيض نسبة الدعم لمزارعيه عن المستوى الذي اقترحه سابقا وهو 30%، ورفضت الولايات المتحدة أيضا تسهيل دخول منتجات الدول النامية من المحاصيل الزراعية إلى أسواقها، كما أعلنت اليابان أنها مستمرة في استثناء منتجات محلية وفي حماية سوق الحبوب من المنافسة الخارجية·
وهكذا أصبح من شبه المتعذر على مؤتمر هونج كونج تنفيذ بيان الدوحة الذي طالب بضرورة التركيز على قضايا التنمية وإعطاء المعاملة الخاصة والتفضيلية أهمية في المباحثات الحالية، وتعهدت دول المنظمة في ذلك البيان بالمحافظة على ''عملية إصلاح وتحرير التجارة''، لكنها ما فتئت تتلكأ وتضع العراقيل وراء العراقيل، إذ تتحجج الدول النامية بمحدودية أسواقها وضآلة قدراتها التنافسية، بينما تتذرع الدول المتقدمة بالحاجة إلى حماية مصالح مزارعيها، خلافا لمبادئ وأهداف الإعلان المنشئ للمنظمة·
وقد تأسست منظمة التجارة العالمية بموجب اتفاق مراكش في الأول من يناير ،1995 كواحدة من أحدث المنظمات العالمية نشأة، إلا أنها وريثة للاتفاقية العامة للتعرفات والتجارة (الجات) التي أنشئت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وتبلور في إطارها النظام التجاري العالمي متعدد الأطراف ليتطور خلال جولات تفاوضية شملت مرحلتها الأولى خفض التعرفات الجمركية، وفي مرحلتها الثانية مقاومة الإغراق، أما المرحلة الثالثة والأخيرة لـ(جولة الأوروغواي 1986- 1994) فأدت إلى إنشاء منظمة التجارة العالمية، لتصبح المنظمة الدولية الوحيدة التي تعنى بقوانين التجارة بين الدول، وبفض المنازعات التجارية، وبضمان انسياب التجارة على نحو سلس ويسير وحر·
وبقيام المنظمة، توسعت جولات التفاوض على قضايا التجارة العالمية وتحريرها، وعقدت ستة مؤتمرات وزارية لهذا الغرض؛ هي مؤتمر سنغافورة (1996)، ومؤتمر جنيف (1998)، ومؤتمر سياتل (1999)، ومؤتمر الدوحة (2001)، ومؤتمر كانكون (2003)، وأخيرا مؤتمر هونج كونج الذي يفض أعماله يوم غد الأحد· ويعد المؤتمر الوزاري (ينعقد دورياً كل عامين) رأس السلطة في هيكل المنظمة، إضافة إلى المجلس العام الذي يضم ممثلين عن الدول الأعضاء، أما الأمانة العامة، ومقرها في جنيف، فتضم 600 موظف يرأسهم المدير العام للمنظمة، وتتمثل واجباتها الرئيسة في توفير الإسناد الفني والمهني لمجالس ولجان المنظمة، ومراقبة وتحليل التطورات في التجارة العالمية، وتوفير المعلومات للجمهور ولوسائل الإعلام، وتنظيم المؤتمرات الوزارية، كما توفر الأمانة العامة أشكالا من المساعدة القانونية في تسوية النزاعات التجارية وقبول طلبات عضوية الدول في المنظمة· ويتولى باسكال لامي (فرنسي) منصب المدير العام للمنظمة منذ ديسمبر الماضي حيث أصبح خامس شخصية تشغل ذلك الموقع، بعد التايلاندي سوباشي بانيتشيباكي (2002- 2005)، ورئيس الوزراء النيوزيلندي السابق مايك مور (1999- 2002)، والنيبالي ريناتو ريجيرو، وقبله الأيرلندي بيتر سيزرلاند (1993-1995)· وتعتبر منظمة التجارة العالمية أن من أهم أهدافها توفير ''ضمانات'' باستمرار الإمداد وإمكانية الاختيار للمستهلك والمنتج معا، إضافة إلى ''الثقة'' في انفتاح الأسواق الأجنبية أمام المصدرين والمنتجين··· وإزالة الحواجز التجارية وغيرها من العوائق بين الأفراد والدول، لتكون النتيجة المحققة من وراء ذلك قيام عالم اقتصادي يسوده السلام والرخاء!
إل