تداولت العديد من وسائل الإعلام المحلية خلال الأيام الماضية تصريحات الداعية الإسلامي د· أحمد الكبيسي، التي أيّدها لاحقا وزير العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف، بأن 80% من المطلّقات في الإمارات لسن مطلّقات في الواقع بسبب الانفعالية التي تغلب على هذه الطلاقات والتي أضرّت بالكثير من الأسر والأطفال، مؤكّدا أنها لا تقع لأنّها أحكام بدعية· إن مثل هذه التصريحات وغيرها من الشواهد والقرائن الأخرى تؤكد أن التعاطي مع أكثر الظواهر الاجتماعية خطورة في مجتمع دولة الإمارات لا يزال يفتقر إلى المعالجة الشمولية الجادة، حيث تؤكد العديد من الدراسات أن نسبة حالات الطلاق في الإمارات تقدّر بنحو 46%، وفي ازدياد مستمر، ما يعكس حجم التغيّرات المتتالية التي يعانيها المجتمع الإماراتي، والتي تؤثر بشكل مباشر في سلوك ومستقبل الأجيال المقبلة· وفيما يبدو وكأن ركب الحياة بجميع مجالاتها يتفاعل مع أحدث ما توصل إليه العالم من تقنيات في دولة الإمارات، فإن الطلاق بدوره يأبى أن يسير بمعزل عن هذا الركب، بعد أن تمكّن المتزوجون من تطويع وسائل التكنولوجيا الحديثة لإتمام طلاقهم بالسرعة الممكنة، ودون التعرّض للاحتكاك المباشر مع الطرف الآخر، ولعلّ حالات الطلاق التي أصبحت تُجرى عبر البريد الإلكتروني أو رسائل الهاتف المتحرّك هي آخر ابتكارات المتزوجين المتعطشين للطلاق·
إن ظاهرة الطلاق تمثل حالة غير محمودة في مجتمع الإمارات، وتكلف ميزانية الدولة ما يزيد على مليار درهم سنوياً عبارة عن نفقة ورعاية ومستلزمات أخرى لمعالجة التفكّك الأسري والانحراف وتزايد أعداد الأحداث والاغتراب، والتي تشكّل جميعها معاول لهدم الأسرة وخلخلة الكيان الاجتماعي· وتبيّن نتائج عدد من الدراسات الميدانية حول ظاهرة الطلاق، أن 75% من المطلّقات هنّ في سن أقل من 40 عاماً، وأن 68% من المطلّقات لا يملكن الدخل الكافي لتلبية حوائج الحياة، وأن 71% من المطلّقات لديهن أولاد، ما يجعل المشكلة أكثر تعقيداً، وأن 70% من المطلّقات من ذوات المستوى التعليمي المنخفض، كما أن الطلاق يؤدي في أغلب الحالات إلى الزواج الثاني من أجنبيات، حيث تترتب عليه معاناة الأبناء جرّاء صعوبة التعامل مع زوجة أبيهم، ما يؤدي إلى قضائهم أغلب الوقت خارج المنزل، وبالتالي تعرّضهم للجنوح والانحراف· ومن الآثار الخطيرة الناجمة عن انهيار العلاقات الزوجية خروج جيل حاقد على المجتمع، بسبب فقدان الرعاية الواجبة له، وتزايد أعداد المشرّدين، وانتشار الجرائم، فضلاً عمّا يصيب القيم الأخلاقية والأعراف الاجتماعية السائدة فيه من مظاهر التردّي·
لا شكّ في أن تزايد حالات الطلاق في دولة الإمارات يمثل خللاً اجتماعياً جديراً بالدراسة والتحليل، للوقوف على أسبابها والعمل على معالجتها بصورة شاملة، وفي هذا العصر الحديث الذي شهد تقدّما حضاريا كبيرا وتغيّرات اجتماعية عميقة زادت من حدّة المشكلات الاجتماعية والنفسية التي تؤثر في وظائف الأسرة بصفة خاصة والحياة الأسرية بصفة عامة، تصبح قضية تزايد حالات الطلاق في الإمارات مشكلة أكثر تشعّبا، تستوجب معالجتها تكاتف جميع مؤسسات التنشئة الاجتماعية ابتداء من مؤسسة الأسرة وليس انتهاء بالإعلام ودور العبادة·
عن نشرة أخبار الساعة
الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
www.ecssr.ac.ae