أثارت المقالة التي نشرتها صحيفة ''الصنداي تايمز'' البريطانية في الأسبوع الماضي، حول استعداد إسرائيل لضرب منشآت نووية إيرانية، مخاوف الكثيرين ممن كانوا يخشون أن تتطور الأمور إلى الأسوأ في منطقة الزلازل السياسية على الشاطئ الشرقي للخليج العربي· والمهم في الأمر أن المقالة كتبها مندوب الصحيفة في كل من تل أبيب وواشنطن· وهي تنص على أن شارون قد أعطى أوامره للجيش الإسرائيلي بإعداد خطط عسكرية لضرب المفاعلات والمحطات النووية الإيرانية قبل الثامن والعشرين من مارس القادم· ويقوم هذا التوقيت الزمني على عدة أمور، أولها عقد الانتخابات النيابية الإسرائيلية في ذلك التاريخ، وثانيها تزامنه مع التقرير الذي سيرفعه رئيس هيئة الطاقة النووية الدولية محمد البرادعي إلى المنظمة الدولية بشأن مدى التزام إيران بنصوص اتفاقاتها المبرمة مع الهيئة، وثالثها أن إيران يمكن أن تقوم بنشر صواريخها المضادة للطائرات والصواريخ الصغيرة المعادية قبل ذلك التاريخ وهي التي اشترتها من الاتحاد الروسي، من طراز (تورم - 1)· والتي يقال إن بمقدورها إسقاط صواريخ ''كروز'' الموجهة بالليزر· وكما ذكرت المقالة أن إسرائيل لا يمكنها القيام بضربات جزئية أو جراحية للمواقع والمحطات المستهدفة، وإنما ستقوم بعمليات شاملة ضد جميع هذه المواقع التي يشتبه في كونها تخفي محطات ومعامل تخصيب إيرانية·
وحيث إن بعضاً من هذه المعامل يقع داخل المدن الإيرانية، وفي أماكن مكتظة بالسكان، فإن ضرب هذه المحطات سيعني ضرب بعض المدن الإيرانية وتعرض المدنيين فيها لنيران معادية، أو لخطر تسرب إشعاعات نووية من بعض هذه المحطات، ومثل هذا الأمر يعد حرباً شبه شاملة ضد أكثر من 20 هدفاً عسكرياً ومدنياً إيرانياً· وقبل أن نتمكن من التعرف على رد الفعل الإيراني، فإن إمكانية قيام إسرائيل منفردة بهذه الضربات الجوية تحتاج إلى وقفة ولخطة تحليل وتأمّل·
فمن ناحية عسكرية تملك إسرائيل سرباً من المقاتلات طويلة المدى من طراز (ف 15 آي ) مزودة بذخيرة وصواريخ قادرة على اختراق كميات ضخمة من الخرسانة المسلحة التي تغلف في العادة مثل هذه المفاعلات·
وثانيها أن الغواصات الإسرائيلية قد اتخذت قواعد عسكرية لها في بعض موانئ سيريلانكا، وربما حصلت على بعض التسهيلات في بعض الموانئ الهندية· وأغلب الظن أن جزءاً من المهمة العسكرية القتالية ستقوم به تلك الغواصات المرابطة في بحر العرب قبالة السواحل الإيرانية الجنوبية· كما يقال إن إسرائيل ساهمت مؤخراً في بناء مطار جوي في إقليم كردستان العراقي، وإن لها قاعدة استخبارات في شمال العراق· ويمكن أن تستخدم مثل هذه القاعدة في عمليات تخريب على الأرض متزامنة مع العمليات الجوية الإسرائيلية· كما يمكن أن تقوم هذه القوات الخاصة بقتل أو اختطاف بعض العلماء والعمال الفنيين العاملين في المحطات والمفاعلات الإيرانية، أو اختطاف غيرهم من الخبراء الأجانب الذين يساعدون إيران في مشروعها النووي، ولا يعرف أيضاً ما إذا كان هناك تعاون عسكري بين بعض جمهوريات آسيا الوسطى وبين إسرائيل، يسمح للأخيرة باستخدام مطارات تلك البلدان في مثل هذه العملية الواسعة·
من ناحيتها، فإن إيران ليست لديها القدرات العسكرية الجوية للدفاع عن نفسها أمام مثل هذا الغزو المحتمل، ولكنها في الوقت نفسه تملك بعض المقومات الاستخبارية في شمال العراق، ويمكن أن تطارد الإسرائيليين هناك وتجبرهم على المغادرة، أو أن تدمر بعض منشآتهم وقواعدهم العسكرية فيها· كما يمكنها القيام بنفس النشاط في بعض بلدان الجمهوريات السوفييتية السابقة، بمحاصرة النشاط الإسرائيلي ومتابعته في تلك البلدان، وكذلك الحال للقواعد الإسرائيلية البحرية المحتملة في بحر العرب ومن ناحية عسكرية بحتة، فإن ''حزب الله'' وقواته المتواجدة في لبنان ليس لديه العتاد الكافي لمقارعة القوة العسكرية الإسرائيلية، أو إشغالها عن القيام بمثل هذه العمليات· كما أن سوريا، وهي الحليفة التاريخية لإيران لن تكون قادرة على توجيه ضربات قوية ضد إسرائيل، بل هي الآن في موقع الحصار، وقد فقدت للتو جزءاً كبيراً من ثقلها السياسي والعسكري في لبنان·
وتستطيع إيران التهديد بقفل مضيق هرمز أمام الملاحة الدولية، وهو ما يهدد بارتفاع أسعار النفط العالمية المرتفعة الآن، ويؤدي أيضاً إلى انهيار في أسعار البورصات العالمية، وربما أيضاً إلى أزمة اقتصادية عالمية جديدة· غير أن كل هذه الأمور، إذا ما حدثت فلن تكون موجهة ضد إسرائيل بشكل مباشر، بل ستكون موجهة ضد الولايات المتحدة وأوروبا واليابان، وبالتالي فإن مثل هذا التهديد لن يوقف مغامري الحرب الإسرائيليين عن تحقيق طموحاتهم العسكرية·
وإشكالية إيران أن ذراعها العسكري الوحيد القادر على ضرب إسرائيل يتمثل في صواريخها متوسطة المدى، والتي يمكن اعتراضها بأنظمة ''باتريوت'' الموجودة في العراق، أو تلك المنصوبة في إسرائيل· وكذلك فقد نجحت إسرائيل قبل أسبوع، بالتعاون مع الولايات المتحدة، في تجربة نظام اعتراض صاروخي جديد ط