تصدر من وقت لآخر من مراكز البحوث والدراسات الأميركية نظريات تجد من يوافق عليها ومن ينتقدها·· ثم يثبت الزمن بعد ذلك أنها صحيحة· من تلك النظريات نظرية صراع الحضارات التي صاغها صموئيل هنتينغتون والتي تنبأ فيها بوقوع صراع بين الحضارة الغربية وبين الحضارة الإسلامية أساسا ومعها ربما باقي الحضارات الموجودة في آسيا كالكونفيشيوسية· وعندما نشرت تلك النظرية، انبرى بعض المفكرين والمحللين لها واتهموا مؤلفها بالعنصرية والتحيز ودعوا إلى ما يعرف بحوار الحضارات· ولكن كل الظواهر التي تتواتر أمامنا تدل على أن العلاقة بين الحضارات تسير باتجاه الصراع وليس باتجاه الحوار· من ذلك على سبيل المثال الاضطرابات العنصرية التي وقعت في أستراليا في الأيام الأخيرة والتي لا زالت مستمرة حتى الآن بين أستراليين بيض وبين جماعات تنتمي إلى الشرق الأوسط أو لبنانية في الأساس ونتجت عنها تعديات على اللبنانيين، كما نتج عنها إحراق كنائس مما يعني أن الأمر قد بدأ يأخذ بعدا دينيا· وتأتي هذه الاضطرابات بعد اضطرابات الضواحي الفرنسية التي تواصلت لأيام طويلة، والاضطرابات التي وقعت في مدن أوروبية أخرى· وقبلها الاضطرابات العنصرية في إحدى المناطق التي تسكنها جاليات مهاجرة فقيرة في مدينة برمنجهام البريطانية عقب أخبار أذيعت عن اغتصاب فتاة· وما سبق ذلك من حوادث ووقائع فردية شملت مسلمين من المقيمين في أوروبا مثل حادث اغتيال المخرج الهولندي ''فان جوخ'' على يد متطرف، إن كل ذلك يدل للأسف الشديد على أن مساحة التسامح وقبول الآخر قد تقلصت عما كانت عليه· والحق أن الأمر لم يكن كذلك في أوروبا ولا في أميركا من قبل ولا حتى في أستراليا التي اشتهرت بتراثها كمجتمع متعدد الثقافات· وتفسيري لتقلص التسامح من جانب شعوب تلك الدول أن موجة التطرف التي تجد قبولا لدى الكثير من الناس قد دفعت الآخرين لمحاولة فرض رؤيتهم وأفكارهم حتى وهم يعيشون في ديار الغرب على الغرب نفسه وهذا هو السبب· وأعتقد أن ذلك من تأثير فكر التطرف المتعصب الذي سينشر الخراب والدمار في العالم· ويعرض وجود الجاليات العربية والمسلمة في ديار الغرب لخطر داهم·
بسام موفق- بيروت