اليوم يسطر العراقيون صفحة جديدة مختلفة، هي الأهم في تاريخ العراق الحديث، عندما يتوجهون إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في الانتخابات التشريعية لاختيار أول برلمان غير مؤقت منذ التخلص من حكم الطاغية صدام حسين· وتكتسب الانتخابات التشريعية العراقية اليوم أهمية خاصة انطلاقا من حقائق عديدة أهمها أنها تأتي بعد مخاض عسير شهد تجاذبات حادة بين الأطياف السياسية في العراق، وأنها تأتي بعد أول محاولة جادة ومثمرة لتحقيق التوافق بين القوى السياسية العراقية كان من نتائجها إجراء الانتخابات التشريعية في ظل اتفاق جماعي على المشاركة وهو ما لم يتحقق في انتخابات البرلمان المؤقت في يناير الماضي·
وتكتسب الانتخابات التشريعية العراقية اليوم أهمية خاصة ترتفع بها إلى مرتبة الحدث الأهم منذ تحرير العراق، لأنها ستقود إلى اختيار أعضاء برلمان غير مؤقت يتولى اختيار أول حكومة غير مؤقتة وأول رئيس جمهورية غير مؤقت، أي أنها ستقود إلى تحديد ملامح الحكم في العراق لمدة 4 سنوات قادمة وفقا للدستور العراقي الذي تم إقراره خلال شهر أكتوبر الماضي، ولأنها سوف تجسد رغبة الشعب العراقي في التخلص من المعاناة التي طالت والتي أوقعت أعدادا هائلة من الضحايا ودمرت كل مقومات الحياة في معظم المدن العراقية·
في ظل كل هذه الحقائق تصبح المشاركة الإيجابية في اختيار من يقودون العراق خلال السنوات المقبلة حتمية وترتقي إلى الواجب الوطني الذي لا يحتمل التخاذل، ففي النظام الديمقراطي لا يترتب على المقاطعة أية حقوق ولا ينتج عنها أية مكاسب، وهو ما يعني أن المقاطعين ينسحبون تماما من المشاركة في مسيرة العراق نحو المستقبل وينضمون إلى طيور الظلام التي تحاول تدمير الحلم العراقي·
وفي ظل حقائق الأهمية القصوى للانتخابات التشريعية العراقية يصبح احترام النتائج فرضا على الجميع، انطلاقا من حقيقة أنها تنافس شريف على الخدمة العامة ينتهي أو يجب أن ينتهي باحترام جميع المشاركين للنتائج دون إفراط في توزيع الاتهامات والتشكيك من قبل من لم يحالفه التوفيق، ودون اتجاه إلى تصفية حسابات أو مبالغة في إظهار التفوق تحرج الآخرين وتثير حفيظتهم، من قبل الفائزين·
وإذا كان اختبار الديمقراطية في العراق اليوم صعبا ومهما ومؤثرا، فإن الالتفاف حول البرلمان الجديد واحترام النتائج وتوحد الإرادة على بدء مرحلة جديدة لاستعادة العراق الحقيقي القوي هو المقياس الأول وربما الوحيد للنجاح في هذا الاختبار الصعب·